هل يمكن تنفيذ خطة ترامب لوقف حرب في غزة؟

د. مثنى عبد الله

حرير- (كانت جلسة مثمرة للغاية حول ما نسميه خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط، والمكونة من 21 نقطة في غزة. أعتقد أنها تعالج المخاوف الإسرائيلية وكذلك مخاوف جميع الجيران في المنطقة. نحن متفائلون، بل واثقون من أننا سنتمكن في الأيام المقبلة من الإعلان عن نوع من الانفراج). هكذا تحدث الموفد الأمريكي ستيفن ويتكوف، عن خطة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تم عرضها أمام قادة وممثلين لثماني دول عربية وإسلامية، في اجتماع عقد على هامش الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

وهنا لا بد من التذكير بأن حديث ويتكوف ليس جديدا، فقد تحدث عن وقف الحرب اكثر من مرة، مقدما مقترحات أمريكية تم تعديلها من قبل الوسطاء العرب، ولكن من دون نجاح يُذكر. وإن تكرر هذا المشهد فإنه يُنذر بمواصلة الصراع في المنطقة، حتى لو حققت إسرائيل أهدافها المُعلنة من الحرب على غزة. أما السبب في ذلك فهو الموقف الإسرائيلي الرافض لإقامة دولة فلسطينية، رغم توقيعها اتفاقيات أوسلو بضمانات أمريكية.

التسريبات حول مقترحات ترامب، التي طرحها على الوسطاء حول كيفية إنهاء الحرب في قطاع غزة، التي ظهرت في موقع أكسيوس وصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكيين، أوضحت مضامين الخطة المتكونة من 21 بندا، قائلين إنها تقضي بوقف جميع العمليات العسكرية، تجميد خطوط القتال في مواقعها الحالية، الإفراج عن جميع المحتجزين في غضون 48 ساعة، تدمير جميع أسلحة حماس الهجومية، والعفو عن المسلحين الفلسطينيين الذين يلتزمون بالتعايش السلمي ومغادرة القطاع، وتسهيل مرور آمن إلى دول أخرى بالنسبة لأعضاء حماس الذين يختارون المغادرة. لا شك في أن هذه ليست المرة الأولى التي يُطرح فيها مقترح أمريكي لوقف إطلاق النار في غزة. لكن ما يبعث على التفاؤل بالنسبة للعديد من المراقبين هو، أن الفارق هذه المرة عن المرات السابقة هو، أن ترامب يبدو أكثر تدخلا في هذا الملف من قبل، حيث التقى زعماء دول عربية وإسلامية، واصفا ذلك الاجتماع بأنه أهم اجتماع له على هامش أعمال الدورة الثمانين للأمم المتحدة. ولا شك في أن الأمر يعتمد حقا على درجة تدخل ترامب، وعلى درجة ضغطه على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لكن الأسئلة صعبة والمعادلة ليست سهلة إطلاقا، فعلى سبيل المثال، هل إطلاق سراح جميع المحتجزين من قبل حركة حماس ثمن مقبول من قبلها، مقابل التأكيد على أنه لن يكون لها أي دور، كما نزع سلاحها أيضا؟ هل ستقبل إسرائيل بوقف الحرب والانسحاب الكامل من غزة، بينما هي لحد الآن لم تحقق أهدافها من الحرب، خاصة القضاء على حماس بصورة كاملة؟ وهل الرئيس الأمريكي ترامب قد وضع إيقاف الحرب في غزة على رأس أولوياته حقا؟ إن أي قرار فلسطيني من هذه المبادرة يتوقف على رؤية الواقع على الأرض. صحيح إن إسرائيل تتعرض الى عزلة دبلوماسية وخسرت صورتها في ضوء الاعترافات المتزايدة بالدولة الفلسطينية، لكن في الوقت نفسه، الشعب الفلسطيني يذبح، وهذا الوضع لا بد أن تكون له مكانة في صناعة القرار، وعليه فالقرار وفقا للمواد التي تم تسريبها أهم مادة فيه هو خروج حماس من المشهد، لكن هذه المادة ليست جدلية، فالحركة وقبل الحديث عن ذلك هي قالت في أكثر من مناسبة وبيان، إنها لن تكون موجودة في اليوم التالي لوقف الحرب. إذن وقف إطلاق النار الفوري هو المحدد الثابت لدى حماس للقبول بأي مبادرة، وكذلك الانسحاب الإسرائيلي وفق جدول زمني محدد. أما نزع سلاحها فعلى الرغم من انه بات سلاحا بسيطا وغير مؤثر نتيجة استمرار الحرب والحصار، لكن المسألة أبعد من ذلك بكثير، لأنها تتعلق بالشرعية السياسية والقانونية لهذا السلاح. فمشروعيته لم تحددها هذه الدولة أو تلك، بل هي مشروعية منبثقة عن الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة وميثاقها، الذي شرعن حق مقاومة المحتل بكل الوسائل ومنها، الكفاح المسلح. فمن يقبل بالتوقيع على نزع سلاحه فإن ذلك يعني أنه أسقط هذه المشروعية عن نفسه، وهذا الحق لا تمتلكه حماس لأنها ليست ميليشيا مسلحة، بل سلطة شرعية أرضها مُحتلة. أما بالنسبة لموقف ترامب وفي ما إذا كان قد وضع إيقاف الحرب على رأس أولوياته من عدمها، أو في ما إذا سينحاز إلى مصالحه ومصالح الولايات المتحدة مع دول المنطقة، أم يبقى منحازا إلى الطرف الإسرائيلي كما أثبت هو ذلك منذ ولاياته الأولى، ولا يزال مستمرا عليه في ولايته الثانية، فالموضوع لن يتوقف عليه هو ولا حتى على غيره. فالتماهي بين الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، في ما يتعلق بفلسطين التاريخية أو ما تسمى (إسرائيل الكبرى) هو تماه ثابت على مر عقود من الزمن، أي أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتقدم بأي اقتراح أو حل أو مبادرة، ما لم يكن هذا يحظى بقبول وموافقة من الجانب الإسرائيلي. أما الكلام عن أن ترامب سوف يُفضّل هذا الموقف على ذلك الموقف، فإنه لا التاريخ يشهد على ذلك ولا كلام ترامب ولا غيره من الرؤساء السابقين الأمريكيين يشير الى ذلك. فتغليب الرؤية الإسرائيلية في ما يتعلق بأمن إسرائيل ومصلحتها، وفي ما يتعلق بفلسطين التاريخية أو ما تسمى (إسرائيل الكبرى) هو أمر قطعي.

وهنا لا بد من التذكير بأن هذه المبادرة الترامبية، لا نعرف إن كانت تستلهم مشروعا سبق وتقدم به إسرائيليان، دون أن يكون بموافقة رسمية من الحكومة الإسرائيلية، وبتبنٍ رسمي منها، حول إعادة إعمار غزة مع تولي الجانب العربي المسؤولية المالية والمسؤولية الأمنية، فيما تتقاسم إسرائيل والولايات المتحدة منطقة منزوعة السلاح والسكان، تشمل معظم قطاع غزة، ويتم حصر الغزاويين في مدينة إنسانية، كما يسمونها، ولا يُعرف مكانها، على أن تُقدم لهم فرصة الهجرة الطوعية. وفي حال كان هذا هو بالفعل إطار هذه المبادرة الترامبية، فإننا سنشهد تكرارا لأسلوب تفاوضي إسرائيلي أمريكي مع الجانب العربي، قام على مدى عقود من الزمن. وهنا ستكون المعادلة، أنتم تدفعون الثمن فورا، وما علينا نحن أن نقدمه فسنقدمه في المستقبل. وهذه المعادلة هي نفسها التي حدثت في أوسلو، حيث كان المستقبل ثلاثة عقود من المواعيد الكاذبة والانقلاب على كل ما كان قد اتفق عليه.

الخوف كل الخوف من أن الدعم العربي قد يبدأ فورا، ثم ينتهي بأن يكون العرب قد تورطوا في إنجاز ما لم تنجزه إسرائيل، فيما تكون مسألة حصر وتهجير أهلنا في غزة قد أُنجزت.

مقالات ذات صلة