تحول إيجابي في هيكل التمويل

سلامة الدرعاوي

حرير- تُظهر البيانات المتعلقة بالتسهيلات الممنوحة للشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة (SMEs) بين عامي 2016 والربع الأول من 2025 تحولًا بنيويًا إيجابيًا في هيكل التمويل الموجه للقطاع الخاص، معززًا بثقة واضحة في قدرة هذا القطاع على النمو والمساهمة الفعالة في الاقتصاد الوطني.

ومنذ بداية عام 2016، كانت نسبة التسهيلات الممنوحة لهذا القطاع لا تتجاوز 9.3 % من إجمالي التسهيلات الممنوحة للقطاع الخاص، بقيمة بلغت 1.754 مليار دينار، لتشهد هذه النسبة تطورًا تدريجيًا بلغ ذروته في الربع الثاني من عام 2023 عند 11.5 %، بقيمة إجمالية بلغت 3.405 مليار دينار.

ومنذ ذلك الحين، حافظت النسبة على مستويات تفوق 11 %، مستقرة عند 11.2 % في الربع الرابع من 2024، و11.1 % في الربع الأول من 2025، ما يعكس استدامة هذا التوجه.

من حيث القيمة المطلقة، فإن إجمالي التسهيلات المقدمة للشركات الصغيرة والمتوسطة قد تضاعف تقريبًا خلال فترة التحليل، مرتفعًا من 1.984 مليار دينار في نهاية 2016 إلى 3.449 مليار دينار في الربع الأول من 2025.

هذا النمو يُترجم إلى معدل نمو تراكمي يزيد على 74 % خلال تسع سنوات، في مؤشر مباشر على توسع النشاط الاقتصادي في هذا القطاع، وتحسُّن قدرته على تلبية المعايير التمويلية للبنوك.

على صعيد مكونات هذا التمويل، فإن التسهيلات الممنوحة للشركات متناهية الصغر والصغيرة تحديدًا ارتفعت من 518 مليون دينار في الربع الأول من 2016 إلى 1.460 مليار دينار في الربع الأول من 2025، بنسبة نمو تقارب 182 %.

أما الشركات المتوسطة، فقد شهدت تسهيلات أكبر من حيث القيمة، حيث وصلت إلى 1.989 مليار دينار في نفس الفترة. ويُظهر هذا التوزيع ميلاً إلى التوازن بين دعم مراحل النمو الأولى للمشاريع، واستمرارية تمويل الشركات التي تجاوزت مرحلة التأسيس.

وفي السياق الأوسع، نجد أن إجمالي التسهيلات الممنوحة للقطاع الخاص نما من 18.9 مليار دينار في الربع الأول من 2016 إلى أكثر من 31 مليار دينار في الربع الأول من 2025.

ما يلفت الانتباه أن السنوات الثلاث الأخيرة، وتحديدًا من 2023 إلى 2025، مثلت طفرة واضحة في تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فقد بلغت قيمة التسهيلات في الربع الأول من 2023 نحو 3.259 مليار دينار، لترتفع إلى 3.464 مليار دينار في الربع الثالث من 2024، وهو أعلى رقم مُسجل في السلسلة الزمنية، كما ارتفعت التسهيلات للشركات متناهية الصغر والصغيرة من 799 مليون دينار في بداية 2023 إلى 1.460 مليار دينار في بداية 2025، وهو ما يُمثل نموًا يفوق 82 % خلال عامين فقط.

تعكس هذه الأرقام مجتمعة تحوّلًا فعليًا في التوجهات التمويلية، مدفوعًا بحوافز تنظيمية وتشريعات داعمة من البنك المركزي، بالإضافة إلى دخول أدوات تمويل جديدة، كما تشير هذه الاتجاهات إلى أن البنوك لم تعد ترى في قطاع الـSMEs مخاطرة مرتفعة بقدر ما تراه فرصة توسع إستراتيجية، خاصة في ظل استقرار المؤشرات الائتمانية المرتبطة بهذه الشريحة.

في المحصلة، تعكس هذه المؤشرات الإيجابية تحولًا نوعيًا في البيئة المصرفية، يتجاوز الأرقام ليعبر عن عقلية مالية جديدة تؤمن بأهمية التمكين الاقتصادي الشامل.

مقالات ذات صلة