خطاب ترامب أمام الجمعية العامة- بين النرجسية والجهل والتزوير

عبد الحميد صيام

حرير- لا يستطيع المتابع لخطابات رؤساء الدول والحكومات أمام الدورة الثمانين للجمعية العامة، إلا أن يتعجب من مستوى الخطاب الطويل الذي ألقاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بطريقة تهريجية سوقية، في أول ظهور له أمام الدورة السنوية للجمعية العامة بعد عودته للبيت الأبيض. ولأن الخطاب مختلف جدا عن بقية كلمات رؤساء الوفود، وجدت من الحكمة أن أسلط بعض الأضواء عليه لنفرز الغث من السمين، والتزوير من الحقائق، والتعالي وادعاء الكمال والعبقرية وتحقيق المعجزات في فترة ثمانية شهور.

ولكنني أريد أن أمحص ما قاله وأثبت للقراء، أن الرئيس الأمريكي خلط الحق بالباطل وزوّر الحقائق وانتهك قوانين التصرفات الدبلوماسية، التي تستند إلى احترام الحضور، حتى لو اختلف معهم. وأستطيع دون جهود كبيرة أن أجد ثلاثة عيوب كبرى في الخطاب، وعشرات العيوب الصغرى. أولها الغرور والانتفاخ الذاتي والشعور بعظمة لا حدود لها، ما يجعلها تنقلب إلى مثلبة قاتلة، والسقطة الثانية تتعلق بتزوير الحقائق والادعاء بمنجزات غير صحيحة أو غير دقيقة. وثالثها الجهل الذي يشير إلى أن هناك تطورات علمية ما زال ينكر وجودها، ويدعي لنفسه علما لا يعرفه العالم.

أما عن العنجيهة والغرور فالخطاب يطفح بإشارت الغرور، التي تنتشر في كل أجزاء الخطاب، لدرجة أنه اقتبس إحدى شعارات مريديه الذين يلبسون قمصان كتب عليها: «ترامب دائما على حق»، وعلق قائلا: يبدو أن هذا الشعار صحيح. ويكاد يقول، إنه لا ينطق عن الهوى ولا يتخذ قرارا خاطئا. قال: «إن الولايات المتحدة تشهد حاليا عصرا ذهبيا بعد مرور ثمانية أشهر فقط تحت قيادتي، إذ تتمتع بأقوى اقتصاد، وأقوى حدود، وأقوى جيش، وأقوى صداقات، وأقوى روح من بين جميع الأمم».

والغريب أن البلد الذي يملك أقوى صداقات لم يجد من يصوت إلى جانبه وربيبته المدللة إسرائيل في معارضة الترحيب بإعلان نيويورك لحل الدولتين، إلا ثلاث دول صغيرة. ويرى أنه على صواب في مسألة التغير المناخي ووقف الهجرة ومحاربة الجريمة واستقطاب الاستثمارات وتخفيض الضرائب ورفع الأجور. واسمع ما يقول بشيء من التعالي والغرور الذميمين: «ضمنت بلادي 17 تريليون دولار من الاستثمارات الحالية والمستقبلية». وقال أن إدارته أجرت أكبر تخفيضات ضريبية وتنظيمية في تاريخها، ما جعلها مجددا أفضل دولة على وجه الأرض لممارسة الأعمال.

التزوير واختلاق الإنجازات

دعني أبدأ بمسألة واضحة وهي، ادعاؤه بأنه أنهى سبع حروب، من بينها حرب بين إثيوبيا ومصر.. من قال إن البلدين كانا في حالة حرب. إثيوبيا استمرت في بناء سد النهضة حتى اكتمل، واحتفلت بافتتاح السد يوم 9 سبتمبر الحالي، دون أن تعير انتباها للاحتجاجات المصرية. أما عن الحرب بين الهند وباكستان فهو لم يوقف الحرب، بل جنرالات الهند بعد الضربات التي تلقاها سلاح الجو الهندي، وسقوط خمس طائرات، واستهداف جميع القواعد الجوية التي انطلقت منها الطائرات والصواريخ الهندية، اتصلوا بنظرائهم الباكستانيين وطلبوا وقف الحرب واستجابت الهند. وقد كذبت الهند رسميا إعلان ترامب بأنه أوقف الحرب. كما إننا لا نعلم أن حربا تجري بين كوسوفو وصربيا، بل إنه ادعى عام 2020 أنه أوقف حربا كادت أن تندلع بين صربيا وكوسوفو. أما عن الكونغو ورواندا فهو لم يوقف الحرب، بل استثمر جهود قطر التي جمعت الطرفين في مارس 2025 ووقعت الاتفاقية بالحروف الأولى بحضور عدد من مسؤولي الطرفين، ثم قام الاتحاد الافريقي بترتيب اللقاءات للتوقيع النهائي. ثم جاء ترامب ليحصد جهود غيره ويدعي أنه أوقف الحرب. وقد أكد مراسل «سي أن إن» أن الاشتباكات ما زالت مستمرة في عدة مناطق. وقد أخطأ في موضوع اتفاقية السلام بين أرمينيا وأذربيجان، عندما أخطأ في نطق اسم البلدين. والمصالحة بينهما بدأت من قبل مجيئه بوقت طويل.

يدعي ترامب أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن شعبيته في أعلى مراحلها، مدعيا أن ذلك بسبب ما قام به على الحدود مع المكسيك. لكن الحقائق تدحض هذا الادعاء. والحقيقة أن استطلاعات الرأي تشير إلى العكس، وأن نسبة الرضى عن أدائه ربما الأسوأ. فقد وجد استطلاع لـ»نيويورك تايمز» أن نسبة الرضى عن أدائه 43% وأن 54% غير راضين عن أدائه. كما أن استطلاع آخر للرأي قام به الصحافي إيليوت موريس وجد أن نسبة الرضى 42% و54% غير راضين عن أدائه. وهذا الاستطلاع أخذ يوم الخطاب. «سي أن إن» في أسبوع الخطاب نفسه، وجدت أن نسبة الرضى عنه 41% ونسبة عدم الرضى ارتفعت إلى 57%.

من تزوير الحقائق الذي ذكرها ترامب أنه هزم التضخم مدعيا «لا يوجد تضخم» وهذه كذبة واضحة. فالأسعار ارتفعت إلى أعلى مستوى منذ أربع سنوات، حيث ارتفت من 2.7% إلى 2.9% وفي أغسطس وصلت إلى 3%. وادعى ترامب أن أسعار المشتريات اليومية قد انخفضت وهذا غير صحيح ففي أغسطس ارتفعت الأسعار بنسبة 1% عما كانت عليه في يناير. وارتفعت أسعار المشتريات البيتية بين يونيو وأغسطس بنسبة 0.6% وهو أعلى ارتفاع منذ 2022. وادعى أن فواتير الكهرباء تنخفض، وعلى العكس تماما فارتفاعها غير مسبوق. والقائمة تطول في تفنيد ما قاله حول عظمة أمريكا، التي قد تحققت على يد إدارته.

أما عن الجهل بحقائق الأمم المتحدة والمنجزات العلمية، فحدث دون حرج. وأود في البداية أن أشير إلى أن تعطل الدرج الكهربائي، كان بسبب مصور فيديو مرافق له بدأ يسير عكسيا على الدرج ليلتقط صورا له وللسيدة الأولى، ما أرسل إشارة إلى نظام الأمان فأوقف الدرج وليس لأن الأمم المتحدة فاشلة. وادعى كذلك أن الأمم المتحدة «لا تحل المشاكل التي ينبغي لها حلها، بل إنها في كثير من الأحيان تخلق مشاكل جديدة علينا حلها». وادعى أن الأمم المتحدة تمول حربا على الدول الغربية وحدودها، من خلال تقديم المساعدة للمهاجرين غير الشرعيين». وهذا يدل على جهل كبير فهو لا يعرف أن هناك اتفاقيات دولية، توافق عليها المجتمع الدولي لتقديم المساعدات للاجئين والمهاجرين، الذين يفرون من الصراعات ولا يتذكر ترامب أن الذي أدى إلى هجرة الناس من بلادهم غالبا، إما حروب الدول الغربية على تلك البلاد مثلما فعلت أمريكا في العراق وأفغانستان وليبيا وفلسطين (عبر قاعدتها المتقدمة إسرائيل)، وإما عن طريق نهب الثروات الطبيعية من تلك البلاد، خاصة افريقيا، ما دفع بعض البلدان الافريقية التمرد على نظام الهيمنة الفرنسية في تلك البلاد. أما تهكمه على التغير المناخي والطاقة الخضراء، فلا يدل إلا على جهله أو إنكاره لحقائق العلم، مستبدلا تلك الحقائق بخطاب تهريجي لا يصمد أمام التمحيص العلمي الذي اكتشفه العالم، إلا هو وثلته. لقد أعلن ترامب أن بلاده تتخلص مما «تسمى زورا بمصادر الطاقة المتجددة. وهي مجرد مزحة، وغير فعالة ومكلفة للغاية». وأضاف: أن العديد من الدول الأوروبية على شفا الدمار بسبب أجندة الطاقة الخضراء. في رأيي، يُعد تغير المناخ أكبر خدعة نُفذت على الإطلاق ضد العالم». فتلك الزلازل والأعاصير والانهيارات الطينية والفيضانات المدمرة وموجات التسونامي وارتفاع درجة حرارة الأرض، كل ذلك عند ترامب مؤامرات صينية أو معلومات مضللة. وحده الذي يعرف بهذه الأمور وعلى علماء الأرض كلهم أن يتتلمذوا على يد شيخ المهرجين وزعيم النرجسيين وكبير المزورين.

مقالات ذات صلة