
النواب ومعركة الرئاسة.. كيف نؤسس لثقافة صحيحة؟
مكرم الطراونة
حرير- تبدو العقلية العربية ما تزال متعلقة في فضاء القبلية بمفهومها السياسي، حين اختبار التصدي لموقع ما في السلطة. فالطبقات السياسية التي أفرزتها بنى اجتماعية قبلية ما تزال تمارس السياسة انطلاقا من مفاهيم “سلطوية” غير قابلة للتغير أو للقسمة.
لعل هذه المقدمة تصلح لافتتاح الحديث عن الجدل الدائر اليوم، والذي أشعله رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، حين أعلن أنه لم يعلن ترشحه حتى الآن لرئاسة المجلس أو أي منصب آخر. كثيرون استنكروا أن يعود الصفدي إلى صفوف النواب، وأن يمارس دورا “عاديا” في الرقابة والتشريع، في موقع يرون أنه أقل مما كان عليه في رئاسة النواب.
قلنا منذ البداية، إننا نمارس السياسة بحمية القبيلة، ما يؤكد امتداد مفهوم “الاستئثار بالسلطة” في العقلية العربية، بنتاج تراكمات تاريخية، منحت المجتمع العربي، عبر العصور، سمة ثقافية أعلت من شأن الزعامة أو القيادة، والتي غالبا ما تنتقل بالوراثة، وتظل أبدية، حتى أنها اكتسبت قدسية ما في بعض المجتمعات العربية.
في العقلية العربية التي لم تتعود بعد على الثقافة الديمقراطية الحقيقية، ظل الاستئثار بالسلطة أو الموقع، واحدا من أبرز السمات الثقافية للعمل السياسي. حتى في الأحزاب اليسارية أو القومية أو الدينية، تبدى واضحا أن أعلى هرم في الحزب لا يتبدل إلا بالموت، وهو سلوك درجت عليه تلك الأحزاب منذ خمسينيات القرن الماضي، وكأنما الشرعية لا يمكن أن تكون بمعزل “الثقافة السلطوية” التي أسست لكل موروثنا وحاضرنا.
الصفدي أرجع عدم حسمه لقرار الترشح، كونه يمثل حزب الميثاق في البرلمان، وأن القرار في نهاية المطاف عائد للحزب الذي ينتمي إليه، وليس له شخصيا، وهو تصريح طبيعي، فالرجل يمثل حزبا داخل البرلمان، وهو لا يمتلك القرار، وينبغي له أن يخضع لقرار حزبه.
أن يكون أحمد الصفدي، في الدورة البرلمانية القادمة، نائبا للرئيس أو نائبا عاديا بعد أن كان رئيسا لمجلس النواب، ليس فيه انتقاص من قيمته، فربما رأى حزبه أن دوره انتهى في رئاسة النواب، وأن عليه الآن أن ينتقل إلى مكان آخر ليؤدي دوره فيه، حتى لو كان في موقع أقل.
الحديث عن الحياة الحزبية البرلمانية، يعني أن النائب عن الحزب خاضع لقرار حزبه، وأن عليه أن يحترم قرارته وينفذها. وإذا كنا نريد للتجربة الحزبية أن تنجح، فينبغي أن لا نتصدى لانتقاد قرار حزب، مهما يكن، فالحديث عن الرغبة في التأسيس لمسار حزبي أردني جديد، ولأحزاب برلمانية تؤدي دورها الوطني، يلزمه ممارسات عديدة ومراكمة الخبرات لكي ترتقي إلى ما نحلم أن يكون عليه ممثلو الشعب.
في مفهوم الدولة الحديثة والديمقراطية الحقيقية وممارسة السياسة والسلطة، ثمة مفهوم واضح يجب أن يوضع قيد التنفيذ، وهو “تداول السلطة”، وهو مفهوم ينبغي تبنيه وتعزيزه في المخيال الجمعي. لكن حتى اليوم ما يزال الذين يؤمنون به أقلية في وسط جماهير تحتكم لأعراف إحيائية لا تستند إلى منطلقات الديمقراطية الحقيقية، بل تنزع إلى مفاهيم عفا عليها الزمن.
أقترح أن نفكر كثيرا قبل أن نكتب أي شيء في سياق السلوك الديمقراطي للأحزاب النيابية.