هند رجب.. غابت عن الحياة وحاضرة في الأمم المتحدة

بقلم الإذاعي الكاتب شريف عبد الوهاب رئيس الشعبة العامة للإذاعيين العرب

شريف عبد الوهاب.            

في عالمٍ يزداد قسوة ويغلب عليه ضجيج السياسة وصراع المصالح، يظل صوت الطفلة الفلسطينية هند رجب أقوى من كل المنابر. هند التي غابت عن الحياة برصاص الاحتلال، بقيت حاضرة في قاعة الأمم المتحدة، رمزًا لطفولة مهدورة وصرخة ضمير إنساني تهز وجدان العالم.

في أواخر يناير 2024، حاولت هند مع عائلتها النجاة من جحيم غزة. رصاص الاحتلال اخترق السيارة التي تقلهم فسقط الجميع شهداء، وبقيت هي وحدها عالقة بين الجثث. لثلاثة أيام كاملة، تماسكت الطفلة وهي تتصل بالهلال الأحمر، تهمس بخوف طفولي: «تعالوا خدوني… أنا بخاف من الظلام». لكن النداء لم يجد طريقه، وصمت صوتها إلى الأبد، ليبقى في ذاكرة العالم جرحًا لا يندمل.

قصة هند لم تقف عند حدود غزة؛ فقد حملها صوت الإنسانية إلى قاعة الأمم المتحدة، حيث ذكرت رئيسة الجمعية العامة أنالينا بيربوك في كلماتها أن “قول الحقيقة والسعي لحل دبلوماسي للنزاع في غزة ليس خيارًا، بل واجب على المجتمع الدولي”. كأنها كانت ترد على استغاثة هند، وتضع العالم أمام مرآة الحقيقة: أن استمرار إنكار معاناة المدنيين، وخصوصًا الأطفال، ليس سوى هدية للمتطرفين الذين يتغذون على اليأس والدم.

في مشهد إنساني مؤثر، حضر العالم اسم هند رجب في كلمات القادة والدبلوماسيين، لتصبح رمزًا يتجاوز حدود وطنها. المفارقة المؤلمة أن العالم الذي لم ينقذها في لحظتها، يستحضر اليوم اسمها كرمز في المحافل الدولية.

ولم تقف ذكرى هند عند السياسة وحدها؛ فقد أحيتها المحافل الفنية والثقافية أيضًا. في مهرجان فينيسيا السينمائي، عرض فيلم «صوت هند رجب» للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، فاهتزت القاعة بدموع الحضور. وفي هولندا نُصبت سيارة رمزية كتجسيد للحظة استشهادها، لتصبح شاهدًا على وجع الطفولة الفلسطينية. كما تحولت قصتها إلى مصدر إلهام لعروض مسرحية وفعاليات ثقافية في عواصم عربية وأوروبية، لتبقى هند حاضرة بالفن كما هي حاضرة بالسياسة، رمزًا لا يُمحى من الذاكرة الإنسانية.

إن دموع هند وصوتها المرتجف في ليل غزة لا يجب أن يتحولا إلى مجرد خطاب في الأمم المتحدة أو فيلم وثائقي في المهرجانات، بل إلى التزام حقيقي بوقف الحروب، وحماية الطفولة، وتأكيد أن حياة كل طفل تستحق أن تُعاش بسلام.

لقد غابت هند عن الحياة، لكنها حضرت في وجدان العالم، لتذكرنا جميعًا بأن الأطفال ليسوا أرقامًا في تقارير الحروب، بل أرواح صغيرة، إذا رحلت تبقى لتدين صمت العالم وتفضح عجزه. هند رجب، الطفلة التي لم تكتمل أحلامها، صارت شاهدًا خالدًا على أن الحقيقة لا تموت، حتى لو مات أصحابها

مقالات ذات صلة