انتصار أم هزيمة؟

فهد الخيطان

حرير- هي لحظات فارقة في تاريخ القضية الفلسطينية، تحار معها في كتابة عنوان لهذه المرحلة الاستثنائية من الصراع. انتصار سياسي أم نكبة جديدة تكتمل معالمها على الأرض؟

صورة رئيس الوزراء البريطاني وهو يعلن بثقة اعتراف بلاده بدولة فلسطين، ومن خلفه عشر دول تتوالى اعترافاتها، أبرزها فرنسا وكندا وأستراليا، وفي النصف الآخر من المشهد صورة الألوف من أهل غزة ينزحون بمواكب حزينة ومتعبة ومهزومة، وكأنهم في الخروج الأخير نحو المجهول. المدينة التي أقرب ما تكون عاصمة قطاع غزة، تسقط حيا بعد حي في يد المحتلين، وسكانها يفرون، إلى ما تبقى من مساحات تضيق بأهلها.

نكتب أنه انتصار سياسي لفلسطين وشعبها؟ صحيح، فدول من هذا الوزن، تضيف باعترافها بعدا مهما للحق الفلسطيني، وتتصدى لسردية صهيونية بغيضة، تسعى جاهدة لإنكار هذا الحق، لا بل إنكار وجود شعب لهذه الأرض.

لكنه اعتراف، بما تبقى من “أمل يتلاشى” و”نور لا يمكننا أن ندعه ينطفئ”، كما قال ستارمر. في إشارة كبيرة إلى ما تقوم به إسرائيل من إجراءات أحادية لدفن حل الدولتين، والقضاء على حل الدولة الفلسطينية.

انتصار سيسجل في دفاتر الأمم المتحدة، مثل عشرات القرارات الأممية التي حفظت الحق العربي، وظلت محفوظة في الأدراج لعقود. اعتراف لا يعني قيام الدولة فورا، كما صرح الغربيون. هو أقرب ما يكون لتعويض للفلسطينيين، عما لحق بهم من ظلم تاريخي مديد، وحرب إبادة مشتعلة على أرض غزة، وتهويد واسع النطاق لما تبقى من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

أكثر من ذلك ليس بمقدور الأوروبيين أن يفعلوا، ومعهم عالمنا كله. الانحياز الأميركي لإسرائيل يكفي لشل المجتمع الدولي ومنظماته ودوله الكبيرة قبل الصغيرة.

التهجير هو الواقع في مواجهة الدولة الافتراضية. محو غزة من الوجود، وضياع شعبها، التعبير الحي، لا البيانات الغربية. الاستيطان الذي يلتهم الضفة الغربية، والضم القادم في الطريق، والأنفاق تحت الأقصى، هي التي تحسم مصير الدولة، وقضية الشعب الفلسطيني.

يمنحنا العالم الغربي الأمل، هذا أكثر ما يمكن أن نناله في الوقت الحالي. في المقابل، يمنح الدعم الأميركي حكومة الاحتلال، الأرض وما تحتها من أوهام تلمودية.

مؤسف القول إننا اخترنا توقيت هذه الهزيمة، عندما خيل لهم في السابع من أكتوبر، أن دولة الاحتلال على وشك الانهيار، ويكفي أن نلكزها في الخاصرة، حتى تسقط كالفراشة.

سيتوج اعتراف الدول بفلسطين دولة، في مؤتمر تنفيذ حل الدولتين. والمفارقة الأخرى أن فلسطين التي أصبحت دولة باعتراف أكثر من 150 بلدا في العالم، لن تكون حاضرة في مبنى الأمم المتحدة. حتى هذه على بديهيتها، لم يسمح بها الراعي الرسمي للاحتلال الإسرائيلي. صاحب المناسبة سيخاطب منظمة الشعوب الأممية، عبر آلية الاتصال المرئي بعد أن منعته حكومة دونالد ترامب من دخول أراضيها. بينما سيحل نتنياهو، المطلوب رقم واحد للمحكمة الجنائية الدولية، ضيفا عزيزا على الأمم المتحدة، التي تقع المحكمة تحت ولايتها!

وبعد ذلك ينال اجتماعا مع ترامب هو الرابع، منذ تولي الأخير منصبه.

سترتفع أعلام فلسطين في عواصم كبرى، دولة على الورق، بانتظار أن يحل اليوم الذي تغدو فيه على الأرض، حقيقة.

مقالات ذات صلة