
المساعدات برا.. مخاطر لا نحتملها
فهد الخيطان
حرير- حادثة إطلاق النار التي نفذها سائق شاحنة مساعدات على جسر الملك حسين، هي بمثابة جرس إنذار ثان، بعد عملية مماثلة، قبل سنة تقريبا، مضمونه أن رحلة الشاحنات المضنية إلى غزة، تحمل في طياتها أيضا مخاطر أمنية كبيرة، تستدعي مراجعة لهذا الخيار في نقل المساعدات للأشقاء في غزة.
حاجة غزة للمساعدات ستمتد لسنوات. حرب الإبادة الوحشية مستمرة، وحكومة الإرهابيين في إسرائيل مصممة على إخلاء أكبر مساحة ممكنة من القطاع من سكانه، وتدمير كل أشكال الحياة.
هذه الوحشية توقد نارا في قلوب الملايين من العرب، يعبر عنها البعض بسلوك فردي كما فعل السائق الأردني قبل أيام وعلى نحو يضر بحق أهلنا في غزة في الحصول على مساعدات تسعفهم في وجه القتل والتجويع والتهجير الإسرائيلي.
حكومة نتنياهو استغلت الحادثة، كما فعلت مع الحادثة الأولى، وأوقفت دخول المساعدات، وأغلقت الجسر في الاتجاهين، في خطوة مقصودة للإضرار بأهلنا في فلسطين. ليس هذا فحسب، فقد قررت اعتماد إجراءات جديدة وصفتها بالدقيقة لتفتيش شاحنات المساعدات، إذا سمحت بدخولها مستقبلا.
ثمة مخاطر مترتبة على استمرار مسار نقل المساعدات بهذه الطريقة، على أكثر من مستوى.
تسجيل الحادثة الثانية، يعني أن هناك احتمالا بتكرارها في الفترات القادمة، ما يضع الأردن في موقف محرج مع الجانب الآخر، ناهيك عن تحفيز آخرين على تنفيذ مثل هذه العمليات التي تلقى تأييدا في الشارع الأردني، يعكسه حجم التفاعل على منصات التفاعل الاجتماعي.
وليس مستبعدا أن تحاول بعض الأطراف التي تسعى إلى جر الأردن لحالة الفوضى والصدام، إلى تجنيد شبان من السائقين لتنفيذ عمليات مشابهة، وربما أكبر، تضعنا في مواجهة مفتوحة، مع حكومة متطرفة في إسرائيل لا تخفي نواياها تجاه الأردن، ولا غضبها من مواقفه حيال عدوانها على غزة ودول عربية أخرى.
إجراءات التفتيش التي تنوي إسرائيل فرضها على الشاحنات المحملة بالمساعدات، قد تكون هي الأخرى شرارة لمصادمات بين السائقين وجنود الاحتلال على الجسر، تفضي إلى حوادث أمنية مماثلة لما وقع أخيرا.
لم يتردد نتنياهو وبكل وقاحة من تحميل الأردن المسؤولية عن حادثة إطلاق النار على الجسر، وفي اعتقادي أنها إشارة لئيمة لخطوة لاحقة ينوي نصبها للأردن في حال وقوع حادثة مماثلة في المستقبل، ليقوم بتوظيفها كمبرر لخطوات عدائية ضدنا.
قدّم الأردن عبر كل الوسائل الجوية والبرية من مساعدات لغزة ما لم يقدمه أحد في العالم. قاد تحالفا عالميا للإنزالات الجوية، ونقل عشرات الآلاف من أطنان الأغذية والأدوية برا، وجهز المستشفيات الميدانية التي تقوم بمهمات مشرفة هناك.
لا ينبغي أن نتوقف عن هذا الدور تجاه الأشقاء مهما طالت سنوات الحرب والتهجير والحصار، لكن طريق جسر الملك حسين بات محفوفا بالمخاطر. يتعين التفكير بالعودة إلى الأسلوب السابق بنقل المساعدات برا إلى مصر، ومن هناك تتولى جهات دولية ومصرية إدخالها إلى قطاع غزة.
تجدر الإشارة هنا، إلى أن معظم سكان غزة، وبسبب سياسة التهجير الإسرائيلية، انتقلوا إلى النصف الجنوبي من القطاع، بينما يعيش من بقي في الشمال والوسط تحت حصار خانق، وعدوان وحشي لإجبارهم على النزوح جنوبا. ذلك يعني أن البوابة المصرية هي الأقرب والأسرع للوصول للنازحين في جنوب القطاع.