حرب غزة… والصمود الأسطوري

محمد عايش

حرير- لا شك أنَّ الحرب الحالية في غزة ليست كغيرها، وسوف يُسجلها التاريخ كمرحلة فاصلة في مسار الصراع، وربما في تاريخ المنطقة والبشرية عموماً، ذلك أن هذه الأحداث التي نشهدها اليوم، لم يكن أي منا يتوقعها ولو حتى في خياله أو أحلامه. القناة الإسرائيلية الـ12 نقلت عن مسؤولين عسكريين قولهم، إن مقاتلي حركة حماس أعادوا ترميم جزء من شبكة الأنفاق القتالية في قطاع غزة، وذلك على الرغم من العمليات العسكرية المستمرة التي يشنها الجيش الإسرائيلي منذ نحو عامين. وأوضح المسؤولون أنّ عناصر حماس تمكنوا من إعادة ترميم ما بين 15% و20% من الأنفاق في مناطق ينشط فيها الجيش الإسرائيلي، كما لفتوا إلى أنّ مقاتلين أطلقوا النار مؤخراً من فتحات أنفاق سبق للجيش الإعلان عن تدميرها.

وأضافت المصادر، أنّ مسلحين شنوا أكثر من عشر هجمات ضد القوات الإسرائيلية من أنفاق سبق التعامل معها، وهو ما قالت القناة العبرية إنه «مؤشر على قدرة الحركة على إعادة بناء بنيتها القتالية تحت الأرض، واستمرارها في شن هجمات ضد القوات المتمركزة داخل القطاع».

في وقت سابق قالت تقارير إسرائيلية منفصلة، إن قوات حماس استخدمت أسلحة تبين أنه تم إنتاجها محلياً خلال الحرب، الأمر الذي دفع الإسرائيليين إلى الاستنتاج بأن الفلسطينيين ما زالت لديهم القدرة على إعادة ترميم قواتهم وقدراتهم القتالية وأسلحتهم، لا بل تبين أيضاً أن بعض الأسلحة الغزاوية هي مجرد بقايا لقنابل وصواريخ وقذائف ومفرقعات إسرائيلية، ألقت بها طائرات الاحتلال على رؤوس الفلسطينيين لقتلهم، فإذا ببعضها تتم إعادة تدويره محلياً، واستخدامه في إنتاج أسلحة جديدة تم استخدامها بالفعل ضد الإسرائيليين. ما يحدث في غزة هو محض معجزة، ولا شك في أن هذه المواجهة التي لم يكن أحد يتوقعها في العالم بأكمله، سيتم تدوينها في التاريخ عبر الأجيال، كما إن الإسرائيليين حتى في أحلامهم لم يكونوا يتوقعون أن تصمد المقاومة في غزة لعامين كاملين، وهم الذين يمتلكون كل هذه الأسلحة والتقنيات العسكرية العملاقة. لا بل إنَّ تكلفة هذه الحرب على الجانب الإسرائيلي تفوق كل الحروب السابقة، التي خاضها الإسرائيليون، بما في ذلك حرب عام 1948 وحرب عام 1967 اللتان انتهتا بتأسيس الدولة العبرية في الأولى، وتوسعتها في الثانية!

المثير في ذلك واللافت للانتباه اليوم هو، أن شعباً أعزل استطاع مقارعة الاحتلال وهو في ذروة قوته لأكثر من عامين، وما زال يُكبد الإسرائيليين الكثير من الخسائر، في الوقت الذي لم تصمد سبعة دول عربية في عام 1948 إلا لبضعة أيام، وكذا الحال في عام 1967 عندما انهارت قوات ثلاث دولٍ عربية في ستة أيام فقط، وذلك في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل ما تزال كياناً وليداً ضعيفاً.. فهل يُعقل أن العرب في ذلك الحين قاتلوا؟ وهل يُعقل أن قوتهم لم تكن أكثر من ذلك؟ والسؤال ذاته ينسحبُ على عرب اليوم أيضاً؛ إذ في حال تمكن قطاع غزة وحده من هذا الصمود فهل يُعقل أن العرب مجتمعين عاجزين وضعفاء كما يحلوا لأنظمتهم أن تصور لهم؟ تقترب هذه الحرب من عامين على اندلاعها، وأياً كانت نتيجتها ومآلاتها فلا يُمكن لأحد أن يُنكر أن غزة سجلت وتسجلُ صموداً أسطورياً أمام أبشع حرب إبادة عرفها التاريخُ الحديث، وسيكونُ هذا الصمود الأسطوري موضعاً للدراسة بالنسبة للأجيال القادمة، وسيسجله المؤرخون على أنه مواجهة غير متكافئة لا يُمكن للبشرية أن تتخيلها.

مقالات ذات صلة