
التهديد الإسرائيلي يتوسع في المنطقة
محمد عايش
حرير- تصريحات نتنياهو عن «إسرائيل الكبرى» وإيمانه بهذه «الرؤية»، وقناعته بأنه يقوم بتنفيذها هي التأكيد الأكثر وضوحاً لما سبق أن قلناه وقاله الكثيرون، إنَّ هذه الحرب لا علاقة لها بهجوم السابع من أكتوبر، وليست رداً عليه، وإنما هي تنفيذ لمشروع إسرائيلي كان اليمين المتطرف في تل أبيب قد بدأه قبل سنوات، والدليل على ذلك أن سوريا التي لم تُطلق رصاصة واحدة باتجاه الاحتلال منذ عام 1973 كانت هدفاً لا يختلف عن غزة والضفة الغربية ولبنان وإيران.
الحديث عن مشروع «إسرائيل الكبرى» يعني بما لا يدعُ مجالاً للشك أن نتنياهو يتطلع الى ما بعد هذه الحرب، وإلى ما هو أبعد من الأراضي الفلسطينية، وأن أطماعه في الأردن ومصر (سيناء) ليست مقتصرة على أنه يبحث عن أرض لتهجير من تبقى من الفلسطينيين، بعد حرب الإبادة البشعة التي تشهدها غزة، وإنما هو يريد الهيمنة على المنطقة بأكملها ويريد التوسع فيها، وربما هذا التوسع عبر الاحتلال المباشر، أو غير المباشر، لكنه في الحالتين يعني بالضرورة أن رؤية نتنياهو تقوم على تهديد ثماني دول عربية من بينها، الأردن ومصر ولبنان.
الحديث عن «إسرائيل الكبرى» ليس أمراً جديداً، فقد طرحه زعيم حزب «البيت اليهودي» المتطرف بتسلئيل سموتريتش عام 2016 في الكنيست ويومها قال، إن «حدود إسرائيل يجب أن تمتدّ لتشمل دمشق، إضافة إلى أراضي 6 دول عربية»، وقبل ذلك كان حزب الليكود الذي ينتمي له نتنياهو نفسه، قد طرح مشروع «إسرائيل الكبرى» عام 1977، وحوّله إلى برنامج سياسي تبناه بشكل رسمي وعمل من أجله. الحديث الإسرائيلي الواضح والصريح عن التهام المنطقة، يؤكد أن لدى الاحتلال مشاريع تهدد دولنا العربية بأكملها، وتؤكد أن الخطر الذي يواجه المنطقة لا يتوقف عند قطاع غزة والأراضي الفلسطينية، بل يؤكد أن هذه المعركة التي يخوضها الفلسطينيون الان، هي التي تعرقل التوسع الإسرائيلي ومشروع الهيمنة على المنطقة، وفي حال تُرك الفلسطينيون وحدهم، وتم سحقهم، فهذا يعني أن الطريق ستكون معبدة أمام نتنياهو لتنفيذ مشروع «إسرائيل الكبرى».
اللافت والغريب في كل هذا هو رد الفعل العربي الرسمي، وكأن الدول العربية لم تسمع ما قاله نتنياهو، إذ حتى الرد الكلامي والاستنكار والتنديد لا يزالُ غائباً، وكأن الأنظمة العربية لا يعنيها الأمر. فإذا كان التهديد باحتلال الدولة لا يستدعي الرد والحديث والمصارحة والمكاشفة، فمتى يمكن أن تتحرك هذه الدول؟ وإذا كان التهديد باحتلال والتهام ثماني دول عربية لا يستدعي أن ينعقد اجتماع لمجلس الجامعة العربية، فمتى يمكن لهذه الجامعة أن تنعقد؟ وماذا عن مؤتمرات القمة العربية؟ ألا يجد الحكام العرب سبباً في أن يجتمعوا؟ وأين هي اتفاقية الدفاع العربي المشترك؟ طبعاً كلما تم انتقاد الموقف العربي يخرج من يقول لك: «هل تريدنا أن نحارب إسرائيل؟»، الجواب بطبيعة الحال: لا، ليس مطلوباً أن تحاربوا، لكن التصريح الكلامي يحتاج رداً بالكلام على الأقل، كما إن الدول التي تقيم اتفاقات سلام مع تل أبيب، تحتاج أن تبحث في الرد الدبلوماسي الممكن على تصريحات نتنياهو، فهل من المعقول أن يُهدد نتنياهو باحتلال دولة ما، ثم يبقى سفيره موجوداً في هذه الدولة؟ ألا يستدعي التهديد بالاحتلال استدعاء السفراء؟! وهو أضعف الإيمان في العمل الدبلوماسي. مطلوب من الدول العربية أن تجتمع لتبحث مستقبلها والتهديدات التي تواجهها، وكيفية التصدي لهذه التهديدات، ومطلوب أيضاً أن يقتنع العربُ بأن مصدر التهديد الذي يواجههم واحد، وأنهم في مركب واحد، وأن المعركة الجارية في فلسطين هي معركتهم جميعاً، وأنَّ عزل الفلسطينيين والتعامل معهم على قاعدة «إذهب أنت وربك فقاتلا» سوف يؤدي الى ضياع بلادنا العربية واحدة تلو الأخرى لا سمح الله.



