لبنان: قيادة الجيش مطالَبة بوضع خطة لوأد الفتنة

عصام نعمان

حرير- اتخذ مجلس الوزراء اللبناني، يوم الخميس الماضي، بعد انسحاب (أو غياب) خمسة وزراء من مؤيدي المقاومة، قراراً يقضي «بإنهاء الوجود المسلح لجميع الجهات غير الحكومية، بما فيها حزب الله، في كل الأراضي اللبنانية». قوبل القرار بعاصفة من الغضب والسخط والتظاهرات، عمّت بيروت وعدّة مناطق في جنوب لبنان وسهل البقاع.

رافضو قرار نزع سلاح حزب الله، بما هو العمود الفقري للمقاومة، ركّزوا حملتهم في تهمتين: الخيانة، وخرق أحكام الدستور. رئيس الجمهورية السابق العماد إميل لحود اعتبر «أن الكلام عن سحب سلاح المقاومة في هذا التوقيت مستغرب جداً، إذ أن تسليم السلاح في خضم المعركة يُعتبر خيانة بالمفهوم العسكري، خصوصاً أن ساعاتٍ لم تمرّ على دفن طفل قتلته يد الغدر الإسرائيلية، فانضمّ إلى مئات الشهداء الذين سقطوا منذ الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، ناهيك من الخروق اليومية، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي، وعدم تسليم الأسرى، حتى إنه في الوقت الذي كان مجلس الوزراء يناقش ورقة المبعوث الامريكي توم برّاك، كان العدو الإسرائيلي يستهدف منطقة المصنع ويقتل اللبنانيين».

النواب المؤيدون للمقاومة، اتهموا مجلس الوزراء بخرق أحكام الدستور وقواعد الميثاقية الوطنية لكونه اتخذ قراره بإنهاء الوجود المسلح في كل الأراضي اللبنانية، بغياب مؤيدي المقاومة من الوزراء الشيعة، ما يشكّل خرقاً للفقرة «ي» من مقدمة الدستور التي تنصّ على أن «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك».

إلى هؤلاء الرافضين جميعاً، يرى معارضون آخرون أنه يتعذّر، إن لم يكن يستحيل عملياً، تنفيذ قرار مجلس الوزراء المستند إلى الورقة الامريكية، لأسباب ومعوّقات موضوعية لا يجوز تجاهلها، لكونها تنصّ على سبعة أهداف، بعضها موضوع خلاف:

بسط سيادة الدولة على جميع أراضيها لتكريس سلطتها الحصرية في اتخاذ قرارات الحرب والسلم وحصر حيازة السلاح بيدها.

ديمومة وقف الأعمال العدائية والانتهاكات البرية والجوية والبحرية.

إنهاء الوجود المسلح لحزب الله في كل الأراضي اللبنانية.

نشر الجيش في المناطق الحدودية والمواقع الداخلية الأساسية.

انسحاب «إسرائيل» من النقاط (التلال) الخمس المحتلة وتسوية قضايا الحدود والأسرى.

ترسيم دائم ومرئي للحدود الدولية بين لبنان و»إسرائيل» وبين لبنان وسوريا.

تزويد الأجهزة الأمنية، لاسيما الجيش، بالوسائل العسكرية الملائمة لتنفيذ البنود سالفة الذكر.

يتساءل هؤلاء المعارضون: كيف يمكن إنهاء الوجود المسلّح لحزب الله وغيره، بجيشٍ تنقصه الأسلحة الملائمة، بدليل ما ورد في بنود الورقة الأمريكية ذاتها التي أقرّها مجلس الوزراء؟ وإذا كانت الحكومة تنتظر أن تبيّن قيادة الجيش كيفية تزويده بالأسلحة، التي يفتقر إليها، والأسلوب الذي سوف يعتمده في تنفيذ المهام المسندة إليه، فلماذا اتخذ مجلس الوزراء قراره بإنهاء الوجود المسلح لحزب الله وإعلانه قبل تسلّمه خطة قيادة الجيش؟ وإذا كانت الحكومة لا تريد ضمناً إنهاء الوجود المسلح للمقاومة خوفاً من تداعيات هذا الإجراء الخطير على أن تعلن لاحقاً تعذّر تنفيذه، فلماذا تلجأ إلى هذا الأسلوب اللولبي في العمل السياسي، متجاهلةً ما يمكن أن ينجم عنه من انعكاسات سلبية داخلية وخارجية؟

في ضوء هذه الواقعات والملابسات، لا يسعني كمراقب موضوعي لما جرى ويجري اعتماده من سياسات ومواقف وردود فعل من جانب الأفرقاء السياسيين المتصارعين في لبنان، والمسؤولين في الولايات المتحدة و»إسرائيل»، إلاّ مصارحة الجميع بالآتي: إن التحديات البالغة الخطورة التي تواجهنا بها الولايات المتحدة و»إسرائيل» تستوجب أن ننهض جميعاً، مسؤولين ومواطنين، موالين ومعارضين، بمسؤولياتنا الوطنية والاجتماعية، بالحرص على مواجهة هذه التحديات بجرأة وجدّية وإدراكٍ للمصالح العليا لوطننا، وللأهداف الوطنية القريبة والبعيدة لشعوب أمتنا، والإحاطة بموازين القوى السائدة في كل مراحل الصراع مع أعدائنا، فلا نتخذ من المواقف ولا نعتمد من السياسيات إلاّ ما نستطيع تحقيقه من نتائج إيجابية. وإذا كان القادرون بيننا على النهوض بمسؤولياتهم الوطنية قلّة في جميع مجالات الحياة العامة، فلا غضاضة في ذلك لأن بمقدور الأقلية ـ رغم كل المصاعب الماثلة ــ أن تكون خلاّقة وفاعلة.

باختصار وتوخياً للفعالية، سأكثّف مداخلتي بشأن ما يواجهنا حاليّاً من مخاطر وتحديات، باقتراح ما يمكن عمله لتفادي تداعيات الصراعات والمنافسات والمماحكات الدائرة عندنا ومن حولنا، وذلك بمناشدة قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل، إدراك حقيقة بازغة مفادها، أن وحدة الوطن وأمنه واستقراره تتوقف على مضمون توصيات الخطة، التي أسند إليه مجلس الوزراء مسؤولية إعدادها ليصار في ضوئها إلى تنفيذ، أو عدم تنفيذ، القرار المتسرع القاضي بإنهاء الوجود المسلح لحزب الله، بما هو العمود الفقري للمقاومة.

أيها العماد، لقد استمع لكلماتك، خلال تفقدك مواقع الجيش في جنوب لبنان متابعون، واستخلصوا منها ألا جدوى من نشر الجيش في تلك المنطقة البالغة الحساسية والخطورة، بغية حصر حيازة السلاح بيد الدولة، إلاّ بعد أن تنسحب «إسرائيل» من التلال الخمسة، وسائر الأراضي اللبنانية التي تحتلها وتتوقّف عن منع سكان القرى الحدودية المدمّرة من العودة إليها وترميمها. في ضوء كلماتك هذه المترعة بالوطنية الصادقة والموضوعية والواقعية، نناشدك أيها العماد بأن تتضمّن الخطة المراد رفعها إلى مجلس الوزراء، كل المحاذير والشروط والتوصيات التي أوضحتها سابقاً، كي يقوم في ضوئها بتعديل قراره المتسرّع والمتَخَذ يوم الخميس الماضي بحيث يتبنّى الإجراءات التصحيحية الآتية:

أولاً: إرجاء تنفيذ قرار إنهاء الوجود المسلح للمقاومة إلى ما بعد انسحاب «إسرائيل» الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة، ووقف اعتداءاتها ومنعها سكان القرى الحدودية من العودة إلى بيوتهم وترميمها.

ثانياً: الضغط على الولايات المتحدة لتضغط بدورها على «إسرائيل» بغية الانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة، وفي حال رفضها يجب أن تتوقف الإدارة الأمريكية عن ممارسة ضغوطٍ على لبنان لإنهاء الوجود المسلح لحزب الله من شمال نهر الليطاني، بعدما أنجز سحب مقاتليه من جنوبه، تنفيذاً لاتفاق وقف الأعمال العدائية تاريخ 27 نوفمبر 2024.

ثالثاً: مباشرة أعمال الإعمار في جنوب لبنان، لكونها متوجبة أصلاً من جهة، وتُسهم من جهة اخرى في إقناع حزب الله بتجميد عمليات المقاومة، تمهيداً لقيامه بتسليم سلاحه للجيش تدريجياً، بعد انسحاب «إسرائيل» من أراضي لبنان المحتلة ووقف اعتداءاتها عليه.

لعلك تدرك جيداً، أيها العماد، أن انتخاب قائد الجيش اللبناني خمس مرات رئيساً للجمهورية منذ 1958 سببُه الأساسي أن الجيش، بتركيبته وسلوكيته، أصبح مصهراً وطنياً لأبناء لبنان بكل مذاهبهم ومشاربهم، وضامناً للوحدة الوطنية، وتجسيداً لمفهوم المواطنة، الأمر الذي يدفع اللبنانيين من عابري الطوائف والقوى النهضوية إلى مطالبتك بأن تكون الخطة المراد منك إعدادها وتسليمها إلى مجلس الوزراء، قبل نهاية الشهر الجاري، زاخرةً بالمواقف والشروط والمتطلّبات التي سبق أن جاهرت بها خلال تفقدك مواقع الجيش في جنوب لبنان، وشكّلت بتوصياتها التصحيحية مدخلاً لوأد الفتنة التي يدبرها صهاينة الخارج، وينفذها بعض فقراء العقل والضمير في الداخل.

مقالات ذات صلة