ماذا يريد الأمريكي من غزة؟

د. جيرار ديب

حرير- كشف مصدر مطلع أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أرجأ اتخاذ قرار بشأن الإجراءات والخطوات التي سينفذها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة المدمر، إذا لم توافق حماس على الاتفاق، وسط الجمود الذي يلف مفاوضات وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى على الرغم من مساعي الوسطاء. إحدى الأفكار المطروحة، التي قدّمها نتنياهو في حال عدم موافقة الحركة على الاتفاق، هي «تطويق» مدينة غزة» ومراكز إنسانية أخرى، بينما تتمثل فكرة أخرى تمّ طرحها على النقاش في «غزو» المدينة.

مهلًا يا نتنياهو ألست أنت من طلبت بالأمس القريب من الدول الإسراع في تنفيذ عمليات إنزال للمساعدات الإنسانية على القطاع، بسبب حالات الجوع التي بدأت تفتك بالغزاويين؟ أليس مرشدك الأعلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من تحدث عن المجاعة في غزة وشارك مشاعر الأسى مع زوجته ميلينا، من على متن الطائرة الرئاسية في طريق العودة من اسكتلندا إلى واشنطن في 29 يوليو الماضي؟

هذا التضارب في الطروحات والدعوات يطرح التساؤل حول ماذا يريدون من غزة؟

الأكيد أن نتنياهو لا يتصرف من تلقاء ذاته في ما خصّ القتال في غزة، فالرجل بات أداة أمريكا في الشرق الأوسط لتنفيذ أجندتها، وهذه من المسلمات التي خرجت علينا منذ السابع من أكتوبر 2023. فإن تدعو العالم لتقديم المساعدات لكسر التجويع، وبعدها تخرج بأفكار تحاكي تطويق، أو غزو مناطق في القطاع، هذا بذاته ما يثير الاستغراب، وهذا لا تبرير له سوى أن هناك ضوءاً أخضر أعطي له من واشنطن. إذ فكرة التطويق هي بالتأكيد سيناريو «ترامبي»، فهو من وصف الوضع في غزة بأنه «مروع»، رداً على سؤال حول تعليقات النائبة الجمهورية مارغوري تايلور غرين، التي وصفت الهجوم الإسرائيلي على القطاع الفلسطيني بـ»الإبادة الجماعية». وهو ذاته من تناول موضوع الحل في القطاع، على اعتبار أن «أسرع طريقة لإنهاء الأزمة الإنسانية في غزة هي أن تستسلم حماس وتفرج عن الرهائن». هذا ما يرتبط طبعا بالرؤية الأمريكية للخروج من الأزمة التي سببتها آلة الحرب الإسرائيلية، بينما هذا لا ينطبق على حماس، التي تعتبر أنّ من أبسط واجباتها هي الدفاع عن الأرض، وعدم الاستسلام، وإن التحرير والتحرر يتطلب القيام بتقديم التضحيات وليس التنازلات.

بالعودة إلى المخطط الذي كُشف عنه، والمرتبط بتطويق مدينة غزة، فهذا إن دلّ على شيء فعلى إن المشروع لا يرتبط بالـ50 رهينة المحتجزين لدى حركة حماس ويجب تحريرهم، وربما قد يكون الهدف أبعد من الوصول إلى استسلام حماس. لأنّ الإسرائيلي كما الأمريكي باتا على دراية واضحة، بأن حركات المقاومة للاستيطان الصهيوني، لن تتوقف عند اسم ولا تحت عنوان محدد، بل هي في وعي كل فلسطيني وكل عربي وكل مسلم يجد في فلسطين القضية المحورية له، لهذا فكرة المقاومة لن تموت ولن تستسلم طالما هناك مستوطن، هذا ما شددت عليه الحركة بعد زيارة ستيف ويتكوف المبعوث الأمريكي للمنطقة، وبعد زيارته قطاع غزة السبت 2 أغسطس الجاري، والمطالبة بتسليم السلاح، إذ أصدرت بيانا واضحا يتعلق بعدم التخلي عن السلاح إلا في إطار تسوية تفضي إلى إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على حدود 1967. في الصورة الضيقة تظهر إسرائيل أن حربها تتوقف عند تحرير الرهائن واستسلام حركة حماس، ولكن هذا الأمر لا يحتاج إلى هذا الكمّ من الإجرام وممارسة سياسات التجويع على السكان الغزاويين. إذ كان من الممكن أن تنفذ حربها بالتوازي مع ممارسة أقصى الضغوط الدبلوماسية على حماس، لاسيما وأن هناك الكثير من الدول التي قدّمت نفسها على أنها وسيط موثوق للتوصل إلى تسويات جدية تنهي حالة الحرب القائمة. إلا أنّ الإسرائيلي على ما يبدو لا يريد وقف الحرب، بدليل أنه مارس الخداع وعمل على تعطيل المفاوضات، ورفض بنود التسويات حتى التي هو من وضعها.

واضح إن الإسرائيلي لا يريد التسويات وإن مخططه لا يتوقف عن كم أسير عليه تحريرهم، بل أصبح ضمن دائرة الاهتمام الأمريكي في المنطقة، وإن قرار وقف الحرب لا يتعلق بحكومة نتنياهو، ولا بما يخرج عن الكينست من مقترحات. فالأمر بات مرتبطا مباشرة بالدوائر الأمريكية التي تقود أكثر من صراع في العالم. وإدارة موضوع القطاع يجب أن يتناسب مع سياساتها الخارجية التي ترتكز على «احتواء» للقوى الصاعدة في العالم على رأسها الصينية والروسية، ومن يدور في كنفهما إيران وحلفائها في المنطقة منها حركة حماس. ويدخل أيضا الاتحاد الأوروبي من ضمن خصوم واشنطن، التي تعمل على تطويعهم، بعدما أبدت الكثير من الانزعاج من المواقف الأوروبية المتعلقة بالـ»طحشة» نحو الاعتراف بدولة فلسطينية. من زاوية مختلفة للحرب الدائرة في القطاع، يرى البعض أن مصالح نتنياهو باتت تتقاطع مع المصالح الأمريكية في المنطقة، فإطالة الحرب تصبّ في صالح نتنياهو الذي يعاني مشاكل سياسية بتهم فساد وهدر المال العام. وتصدير الأزمة الداخلية الإسرائيلية إلى الخارج هو مطلب نتنياهوي، كي يتهرب من الملاحقات القانونية، وإن دعوة ترامب إلى وقف تعقّب نتنياهو قضائياً دلالة على أن الرجل هو الطفل المدلل لدى البيت الأبيض.

بصريح العبارة قالها ترامب، ولم يتراجع عنها، رغم أنّه صرّح أنها قابلة للتأجيل، وهي الخطة التي ستجعل من القطاع «ريفييرا الشرق»، حيث يجب أن تكون غزة وجهة سياحية وتجارية على طريق الممر الهندي الاقتصادي، لقطع الطريق على ممر «الطريق والحزام الصيني». إن إعادة ترتيب الشرق الأوسط يجب أن يتناسب مع المشروع الأمريكي وليس أي مشروع آخر، فما قام به نتنياهو من المنظور الأمريكي «عظيم» يعادل مع ما يقوم به الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مع روسيا، وسيعادل مع ما سيقوم به لا تشينغ تي رئيس وزراء تايوان مع الصين.

تخوض الولايات المتحدة حربا بالوكالة على القوى الصاعدة العالمية، وأخرى مباشرة مع الاتحاد الأوروبي، التي تجلت في أحد فصولها بالاتفاق الذي وقع بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التجاري. فالأمر بات واضحا، وما يحصل في غزة هو جزء لا يتجزأ مما تريده واشنطن في إدارتها للصراعات على المسارح الدولية، لكنّ فشل الأهداف يتوقف على نجاح حركات المقاومة في التصدي لطموحات واشنطن الاستعمارية بـ»لوك» جديد، وما عدم تحقيق «عربات جدعون» أهدافها في القطاع بعد أشهر من إعلان انطلاق العملية، إلا دليل على أن واشنطن ستلجأ إلى خيارات بديلة ستدفع بنتياهو لتطبيقها لتحصل على مبتغاها، لهذا رغم الكارثة في القطاع، هل ستحمل المرحلة المقبلة المزيد من السيناريوهات الأصعب؟

مقالات ذات صلة