الملك يقرع الجرس .. ايهاب سلامة

بعد بلوغ عمر الحياة البرلمانية الاردنية، ثلاثة عقود بالتمام والكمال، وافرازها 18 مجلساً نيابياً، وسنّها آلاف القوانين والتشريعات، أصبحنا بحاجة ماسة إلى إجراء تقييم شامل، يمحص أثر المسيرة الديمقراطية، ويحصي إخفاقاتها ونجاحاتها، ليتسنى لنا استشراف المرحلة القادمة من عمر الدولة الأردنية الحديثة،  وتدعيم اركانها، بنهج وأدوات وسياسات عصرية مغايرة.

جلالة الملك، قرع أول أمس الجرس، ونبّه خلال لقائه نقيب وأعضاء مجلس نقابة الصحفيين، إلى ضرورة تقييم وتطوير قانوني الانتخاب والأحزاب، وهما القانونان اللذان يشكلان عصب الحياة الديمقراطية، فواحد يفرز سلطة تشريعية رقابية، تسن القوانين التي تحتكم لها الدولة ومواطنوها، وينظم كل حركة وسكنة من حيواتهم، ويراقب أداء السلطة التنفيذية، ويحاسبها، وثانٍ، يؤطر المجتمعات، ويؤدلجها، وينظم عملها الجماعي، ولا يتركه على عواهنه، ويستقطب الناس للمشاركة في إبداء رأيهم، والإسهام في صنع القرار، وبناء دولتهم، وتحمّل مسؤولياتهم الوطنية.
مشكلة قانون الأحزاب الحالي، أنه ولد لغاية في نفس يعقوب، تقضي بتأطير الحراكات الشعبية، وإخضاعها للقانون، وعدم تركها مغردة خارج السرب، فأتاح لكل 150 شخصاً تأسيس حزب سياسي، ليفرّخ القانون القبيح أزيد من ستين حزباً، في غضون بضع سنوات فقط، ليس منها حراك واحد أطّر أو قونن نفسه!
الحكومات التي سنّ رحمها قانون الأحزاب، وانجبها، هي ذاتها التي دأبت تحميل الأحزاب مسؤولية ضعف الحياة الحزبية، واستمرأتها، وتبرأت منها، وواصلت معزوفة ردحها وقدحها، بمناسبة وغير مناسبة، رغم أنها من قنن وشرّع ورخص، وآثار الجريمة ما زالت على يديها.
قوانين الانتخاب المتعاقبة، تنافس قانون الاحزاب في الرداءة، فهي تحتاج إلى كتالوج من كثرتها،  ونعاود كل دورة حياة برلمانية، إجراء تلقيح صناعي لقانون جديد، ينجب أجنة مشوهة، لم يسهم واحدها بإنتاج برلمانات من خارج الصندوق التقليدي، وبات لا يختلف البرلمان الرابع والخامس، عن الخامس عشر، والحالي، وطغى عليها جميعها، العمل الفردي، البعيد عن التكتلات الأيديولوجية، وأعادت تدوير واستنساخ مجالس نيابية واهنة، غير مؤثرة ولا فاعلة، تحولت إلى عبء على الدولة بدلاً من إسنادها، بعد أن تشابكت فيها المصالح الشخصية، على حساب القضايا الوطنية.
مبادرة جلالة الملك، بالدعوة إلى تطوير قانوني الانتخاب والأحزاب، وددنا لو سمعناها من الحكومة، من وزارة شؤونها السياسية والبرلمانية مثلاً، والهيئة المستقلة للانتخاب، أو من النواب أنفسهم.
في العمل السياسي، الخطوة الأولى نحو حياة ديمقراطية تعددية صحيحة، تكون عبر بوابة الأحزاب، والعمل الجماعي المؤطر المنظم،  البعيد عن العزف المنفرد النشاز، ولا يمكن لأي قانون انتخاب، افراز برلمانات فاعلة، دون أن تكون الأحزاب نواتها، ومكونها الأساس، للوصول إلى تكتلات سياسية حقيقية، قادرة على العمل السياسي البرامجي، وبالتالي تشكيل الحكومات، خاصة، بعد تجربة عشرات برلمانات الشخوص التي فشلت كتلها وتحالفاتها المصنّعة، بالتوافق على قواسم فكرية وسياسية مشتركة، ولم يجمعها سوى المصالح النفعية الضيقة.
عجلة الإصلاح السياسي، لا يمكن لها الدوران نحو مستقبل الدولة الأردنية، دون تأسيس حياة حزبية فاعلة، تشكل العنصر الأساس، لتشكيل البرلمانات والحكومات، التي تسعى لها الرؤية الملكية.
تركيز جلالة الملك على تطوير الحياة الحزبية، وانتاج قانون انتخاب، يضمن المشاركة الشعبية الأوسع في صنع القرار، برلمانياً، وبلدياً، ولامركزية، قرع ملكي للجرس، يستدعي الانتباه، والالتفات له جيداً، والعمل عليه فوراً، لما تفرضه المرحلة القادمة من تحديات، تتطلب الانتقال بالدولة الأردنية الحديثة، نحو مرحلة جديدة من مراحل نهضتها وتقدمها.

مقالات ذات صلة