الحرب بين إيران وإسرائيل… ودلالاتها الاستراتيجية

محمد عايش

حرير- الحرب الإيرانية – الاسرائيلية تُشكل تحولاً استراتيجياً كبيراً في المنطقة، وذلك بغض النظر عن النتائج التي ستنتهي اليها، كما أنَّ هذه الحرب هي واحدة من التحولات الجذرية التي تشهدها المنطقة، وهي إحدى الرهانات التي دخلها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وليس مؤكداً أن تنتهي لصالحه ولصالح قوة الاحتلال التي يقودها.

هذه الحرب هي أول مواجهة عسكرية مباشرة وحقيقية بين اسرائيل وإيران، رغم أن العام الماضي شهد اشتباكين عسكريين، لكنهما كانا في كل مرة عبارة عن اعتداء إسرائيلي، ومن ثم يتبعه رد إيراني محدود وكان الجميع يُدرك بأن الرد الإيراني في المرتين لم يكن سوى «رد اعتبار» أو أنه مجرد رد رمزي أو تحذيري ويُظهر الحرص الايراني على عدم الانزلاق نحو حربٍ شاملة أو مواجهة عسكرية واسعة النطاق مع اسرائيل.

الحرب الحالية هي في الحقيقة الأولى التي تشتبك فيها إيران بشكل حقيقي مع اسرائيل، وهي الأولى من نوعها منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979، حيث كان الصراع طوال العقود الأربعة الماضية لا يتجاوز الكلام والتصريحات، إضافة طبعاً الى مواجهات متباينة ومتفاوتة بين الاحتلال الاسرائيلي وقوى موالية أو مقربة من إيران.

باندلاع هذه الحرب بهذا الشكل وهذه المعطيات فثمة جملة من الدلائل والمضامين الاستراتيجية والهامة، وأبرزها:

أولاً: هذه الحرب أثبتت بأن اسرائيل ليست القوة العظمى التي كان يتم الترويج لها طوال العقود والسنوات الماضية، بل إنها أضعف بكثير مما كان يتم تصويرها، إذ أثبت الإيرانيون بأن اسرائيل من الممكن أن تتعرض للهجوم وأن تتكبد الخسائر ومن الممكن أن تكون الخيارات أمامها محدودة، لا بل تبين بعد أكثر من أسبوع على بدء الحرب أنها غير قادرة على ضرب المفاعلات النووية الايرانية كما كانت تتوعد، واضطرت للاستعانة بالولايات المتحدة، وانتهى الأمر بالرئيس ترامب الى القول إن «المهمة التي قمنا بها لا يوجد أي جيش آخر في العالم يستطيع تنفيذها»، وهو ما يؤكد بأن اسرائيل دخلت حرباً لا يُمكنها أن تحقق فيها الأهداف التي وضعتها لنفسها.

ثانياً: كشفت هذه المواجهة العسكرية بعد أيام قليلة أن الدفاعات الجوية ومضادات الصواريخ التي تمتلكها اسرائيل، سواء «القبة الحديدية» أو «مقلاع داود» أو غيرهما، يُمكن تجاوزها واختراقها، لا بل إن نسبة نجاح هذه المنظومات أقل بكثير مما كان يُعتقد وما كان يتم الترويج له، وهو ما يعني بالضرورة خسارة مليارات الدولارات في الهواء، وضرب السمعة التي ظلت اسرائيل تسوق لها، خاصة للقبة الحديدية لسنوات طويلة ماضية.

ثالثاً: منذ بدأت الحرب على غزة، ثم لبنان، ثم إيران، وثمة حقيقة تتكرس يوماً بعد يوم مفادها بأن العربَ لم يحاربوا اسرائيل في تاريخهم، وأن ما حدث سابقاً لم يكن سوى مواجهات أقرب الى المسرحية التي كانت تهدف لتسليم أراضينا الى الاحتلال، إذ هل من أحد يُصدق بأن اسرائيل هزمت ثلاث دولٍ عربية في ستة أيام بينما لم تتمكن من هزيمة مقاتلي غزة في 600 يوم؟ ولو أننا ما رأينا ما فعله القصف الايراني على تل أبيب لما صدق أحدٌ بأن في هذه المنطقة من يستطيع أن يُكبد الاسرائيليين خسائر ويخترق «القبة الحديدية» التي يتحصنون وراءها.

رابعاً: انتهت مقولة أن «اسرائيل وإيران حلفاء»، وأن الصراع بينهما مجرد «مسرحية»، وأنهما «أعداء في العلن أصدقاء في الخفاء».. وكل ما شابه ذلك من خرافات كانت تروج لها بعض الأنظمة العربية طيلة العقود الأربعة الماضية، إذ إن هذه الحرب تؤكد بأن لدى إيران برنامج نووي يشكل مصدر رعب للإسرائيليين، ولديهم مشروع سياسي مناقض للمشروع الصهيوني والمشروع الغربي.. هذه هي الحقيقة سواء اتفق الناس مع إيران أم اختلفوا.

والخلاصة هي أنَّ الحرب بين اسرائيل وإيران هي جزء من التغيير الاستراتيجي الذي تشهده المنطقة برمتها، وهي بمثابة اختبار قوة للطرفين، وكلاهما أظهر مفاجآت لم تكن متوقعة، إذ لم يكن أحدٌ يتوقع بأن الايرانيين لديهم القدرة على خوض حرب بهذا الحجم، بينما المفاجأة الأكبر هي أن الاسرائيليين تبين أنهم أضعف مما كان يتم الترويج له وأضعف مما كان يتم تصويرهم.

مقالات ذات صلة