رهانات إسرائيلية خاطئة

رندة حيدر

حرير- يلاحظ من يتابع من كثب توجّهات الحكومة الإسرائيلية إزاء الحرب في غزّة، والأحداث في سورية، وموضوع نزع سلاح حزب الله في لبنان، أنها تستند في معظمها إلى رهانات خاطئة واعتبارات غير واقعية في التعامل مع ما يجري، سواء على الصعيد الميداني أو على الصعيد السياسي.

تراهن إسرائيل على استمرار القتال في غزّة، وعلى أن الضغط العسكري على حركة حماس وحده سيؤدّي إلى إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، وهذا في الحقيقة خطأ متعدّد الأوجه. خلال 20 شهراً من القتال لم تنجح في إطلاق سراح رهينة واحدة، إلا من خلال اتفاقات وقف إطلاق النار، وقد باتت هذه الحقيقة واضحةً لكلّ الإسرائيليين من شتى الاتجاهات. أمّا الحديث عن تحقيق “النصر المطلق”، الذي يتشدّق به بنيامين نتنياهو فبات أشبه بـ”كليشة” يستغلها رئيس الحكومة لإطالة أمد الحرب والبقاء في السلطة والتهرّب من المساءلة بشأن إخفاقات “7 أكتوبر”. في حين أن معارضة أحزاب اليمين القومي (المسياني) وقف الحرب دافعها الأساس تحقيق حلمهم بتهجير الفلسطينيين من القطاع، وإحياء الاستيطان اليهودي هناك.

ضمن هذا التوجّه تراهن الحكومة، من جهة، على قدرة الجيش الإسرائيلي على تنفيذ المهمّات الموكلة إليه، ومن جهة أخرى، على الدعم الأميركي لمجهود الحرب. لكن هذا الرهان يتجاهل وضع الجيش الإسرائيلي اليوم بعد أكثر من عام ونصف العام من القتال، وحالة الإنهاك التي يعانيها الجنود الإسرائيليون النظاميون والاحتياطيون، وتفاقم الشعور بعدم المساواة في تحمّل العبء الحربي من جرّاء تهرّب الشباب المتديّنين من الخدمة. كما أن المراهنة على تأييد إدارة ترامب غير المشروط للحرب في غزّة هو أمر غير مضمون، لا سيّما بعد توقّعات في إسرائيل بأن يطلب الرئيس ترامب من نتنياهو تحديد موعد لوقف الحرب قبيل زيارته المرتقبة إلى كلّ من السعودية وقطر والإمارات، منتصف مايو/ أيار الجاري.

تعود أصوات كثيرة في داخل إسرائيل إلى مسؤولين رسميّين حاليّين وسابقين وعسكريين متقاعدين وخبراء، بالإضافة إلى حركات الاحتجاج الشعبي من أهالي الرهائن… كلّهم يطالبون الحكومة الإسرائيلية بوقف الحرب مقابل استعادة المحتجزين اليوم قبل الغد، ويرون في استمرار المعارك أمراً عبثياً. صحيح أن هذه الأصوات لم تتحوّل حركةَ معارضة عارمة وجارفة للحرب، كما حدث مثلاً في الاحتجاجات ضدّ غزو إسرائيل للبنان في 1982، والمطالبات الشعبية بانسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، الذي تحقّق عام 2000، بيد أن آخر استطلاع للرأي العام نشره معهد دراسات الأمن القومي (إبريل/ نيسان الماضي)، يفيد بأن 69% من الجمهور الإسرائيلي يؤيّد وقف الحرب الآن، وهذا مؤشّر لتوجّه آخذ في الازدياد.

في سورية، تخوض إسرائيل معركةَ تضليل كبيرة، فالحملة الإسرائيلية للدفاع عن الدروز في سورية، “تضامناً” مع أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل و”وفاءً” لهم، هي مجرّد غطاء تستخدمه إسرائيل في خدمة هدفَين؛ تفكيك سورية من خلال تقويض حكم أحمد الشرع الجديد، ومحاربة النفوذ التركي في سورية. ومع الأسف! فإن المحنة التي يعيشها الدروز في سورية من جرّاء الارتكابات البشعة التي تقوم بها قوى محسوبةٌ على النظام الجديد ضدّهم، تستغلها إسرائيل وتوظّفها من أجل تحقيق هدفها في تفكيك سورية دويلاتٍ، والسعي إلى إقامة منطقة نفوذ خاضعة لها في جنوبي سورية، حيث تعيش أغلبية درزية، تحت شعار “حماية الأقليات”. وهذه السياسة تقوم على رهانات خطرة جدّاً، ليس لأنها تهدّد سيادة سورية ووحدة أراضيها، بل لأنها تتعارض مع التوجّهين، العربي والدولي، لدعم النظام الجديد في سورية، وتعزيز شرعية حكم أحمد الشرع. تتحدّى إسرائيلُ في حربها على أحمد الشرع ومحاولات تقويض حكمه التوجّهاتِ العربيةَ والدوليةَ التي تسعى إلى تحقيق استقرار سورية وإعادة إعمارها وحماية وحدة أراضيها وسيادتها من أجل المحافظة على الاستقرار الإقليمي. بينما تراهن إسرائيل على إذكاء نيران التفرقة والاقتتال الأهلي من أجل تحقيق مطامعها التوسّعية في سورية.

أمّا الرهان الإسرائيلي في لبنان، فهو دفع الدولة اللبنانية إلى نزع سلاح حزب الله بالقوة، والضغط عليها عسكرياً وسياسياً لتحقيق ذلك من دون أيّ تأخير. تخوض إسرائيل حملةَ تشكيك واسعة النطاق في قدرات الجيش اللبناني على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أنهى المواجهات بين إسرائيل وبين حزب الله، كما تستغلّ الضغوط الأميركية على الحكومة اللبنانية بأنّ لا مساعدات لإعادة الإعمار من دون نزع سلاح حزب الله، من أجل دفع الحكم في لبنان إلى القيام بذلك بالقوة، وهذه دعوة صريحة إلى الاقتتال الداخلي، تعمل على إذكائه من خلال التحريض على الحزب في داخل لبنان وخارجه، وتضخيم مخاطر احتفاظه بسلاحه، والادّعاء بأن بقاء هذا السلاح يشكّل تهديداً لأمنها. وفي غضون ذلك، تستخدم إسرائيل هذه الذريعة من أجل استمرار وجودها العسكري داخل الأراضي اللبنانية وجعل لبنان يعيش في دائرتي القلق وعدم الاستقرار الأمني والسياسي. لا يستطيع لبنان (حكماً وشعباً) الدخول مجدّداً في حرب أهلية عنوانها نزع سلاح حزب الله، وهذا رهان إسرائيلي خاطئ ومدمّر، سبق أن قامت به في الماضي ومنيت بفشل ذريع.

بعد الحرب في غزّة، وفي لبنان، وبعد تبادل الضربات الصاروخية مع إيران، تعتقد إسرائيل أنّها قوة إقليمية مؤثّرة وعليها أن تعيد صياغة الواقع السياسي والعسكري في غزّة وسورية ولبنان بحسب مصالحها ومشاريعها التوسّعية التدميرية، وهي تعتمد على رهانات خاطئة وخطرة سترتدّ سلباً عليها وعلى دول المنطقة.

مقالات ذات صلة