“ما بعد” الإحباط!… محمد أبو رمان

ليس غريباً أنّ يركز رئيس الوزراء، د. عمر الرزاز، في كلمته المقتضبة الصباحية أمس على أهمية إبقاء “بصيص الأمل”، وعدم الاستسلام لليأس والإحباط من قبل المواطنين، لأنّ من يرصد حالة المزاج العام في البلاد سيلمس بوضوح الشمس في رابعة النهار هذه الحالة، وربما ما يتجاوزها إلى ما يمكن تسميته “ما بعد الإحباط” لدى الشارع!
لماذا؟! هل ذلك، فقط، بسبب مسودة مشروع قانون ضريبة الدخل، التي بالفعل لن تمسّ نسبة كبيرة من المجتمع؟! ولماذا نجد اليوم رسائل احتجاج خطيرة من المحافظات تعلن عن عدم رغبتها باستقبال الوزراء، الذين يذهبون لهناك من أجل النقاش حول مسودة القانون؟ بالرغم من أنّ المحافظات تكاد تكون غير معنية به بصورة مباشرة؟!
من يتابع ردود الفعل والنقاشات – على أكثر من صعيد- سيجد أنّ مشروع الضريبة أصبح بمثابة “ملخّص” الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعنواناً لأمّ الأزمات؛ أي أزمة الثقة بين مؤسسات الدولة والشارع، وربما بعبارة أكثر دقّة أزمة العلاقة بين الدولة والمجتمع.
صحيح أنّ القصة – ضريبة الدخل- في جوهرها اقتصادي، لكن أبعادها السياسية على درجة كبيرة من الأهمية، وما يحدث مع الحكومة الحالية نموذج جلي على ذلك. فالرزاز يملك قدراً كبيراً من الشعبية والمصداقية، وحكومته لا تحمل على أثقالها ملفات فساد، ولا يوجد فيها متهمون بذلك، ونسبة كبيرة منهم من الشباب الإصلاحيين الجدد، الذين دخلوا وهم يحلمون بالتغيير. لكن “المعادلة السياسية” برمّتها أصبحت بالية ومتقادمة وغير مجدية، والثقة في أسوأ حالاتها، فدخل الفريق الوزاري نفسه في حالة إحباط موازية للإحباط الشعبي!
ما نراه اليوم هو ثمن السياسات المتراكمة والإصرار السابق على الإبقاء على المعادلات القديمة، وعدم المضي في إصلاحات سياسية حقيقية تتناسب مع التحولات الهائلة التي تحدث في المجتمع.
ما حدث على الدوّار الرابع – في شهر رمضان- كان إنذاراً شديد اللهجة بأنّ جيلاً شاباً جديداً لديه وعي سياسي تجاوز ما هو معروض اليوم، وأنّ الطبقة الوسطى، بدرجاتها المختلفة، التي كانت تتململ لكنها لا تتحرك، باتت تتحرك، وأنّ أزمة المحافظات وصلت إلى مرحلة حسّاسة جداً، وهذا وذاك يفترض اليوم أن يكون هنالك تفكير مختلف تماماً بصورة جذرية.
أراد رئيس الوزراء عبور منعرج مشروع ضريبة الدخل من أجل الوصول إلى إطلاق مشروعه المتكامل، الذي أطلق عليه كتاب التكليف مصطلح “النهضة الوطنية”، وهو يقوم على أركان سياسية واقتصادية وثقافية، يبدأ من سيادة القانون مروراً بالإصلاح السياسي، وصولاً إلى عملية إصلاح ضريبي ومشروعات في مواجهة البطالة، وكان يطمح الرئيس لأنّ تكون حكومته جسراً بنقل الدولة والمجتمع من “الحلقة الحالية” الخطيرة إلى ما أسماه “الحلقة الحميدة”، التي تقوم على تزاوج الإصلاح السياسي مع الإداري مع الانتقال إلى نمط اقتصادي مختلف. مع ذلك وجدت الحكومة نفسها عالقة في فخ المرحلة الراهنة، ومقيّدة بكمّ كبير من الأزمات المتراكمة!
في مواجهة رسائل الإحباط السابقة من الضروري أن تُرسل رسالة واضحة من الدولة – هذه المرة- للمجتمع، بإطلاق مشروع إصلاح سياسي حقيقي يقوم على توسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار، والمضي نحو حكومات برلمانية، بالتزامن مع التأكيد على القيم العليا من حكم القانون، والمواطنة، والمضي في الإصلاح الإداري، ورسائل خاصة بحماية المال العام وصيانته.
آن الآوان ليكون هنالك قرار على مستوى مؤسسات الدولة بتغيير المقاربة كاملةً Paradigm Shifting، بقلب الطاولة على الوضع السياسي الراهن وإطلاق مرحلة سياسية جديدة.

مقالات ذات صلة