
العبث بنظام الفوترة الوطني
سلامة الدرعاوي
حرير- نظام الفوترة الوطني ليس مجرد نظام إلكتروني، بل هو العمود الفقري لعملية الإصلاح الضريبي في الأردن، وهو حجر الأساس في بناء منظومة شفافة تُحكم الرقابة على المعاملات التجارية وتغلق الباب أمام التهرب الضريبي، ورغم ذلك، يتعرض النظام لهجمة تشويش من جهات تحاول إفشاله وتشويهه، والسؤال الأهم هنا: لماذا يُهاجم نظام يفترض أنه يحمي المال العام ويضمن العدالة؟
السبب بسيط، لأن نظام الفوترة يكشف المتهربين من دفع الضرائب، ويضع الجميع تحت المجهر، من الشركات الكبرى إلى أصحاب المهن الصغيرة، حيث يفرض أن كل معاملة تجارية يجب أن تُوثق إلكترونيًا، وأن كل فاتورة تصدر يجب أن تسجل لدى دائرة ضريبة الدخل والمبيعات فورًا، بدون تأخير، وبدون تعديل أو حذف أو تزوير، وهذا الالتزام لا يعجب من تعوّدوا على العمل في الظل.
مؤخرًا، تم ضبط إحدى الشركات وهي تستخدم برنامجًا مُصممًا خصيصًا للتحايل على نظام الفوترة، اذ إن البرنامج كان يخفي بعض المعلومات من الفواتير ويكرر أخرى، ما يعني تقليل الضريبة الفعلية المستحقة على الشركة، والتحقيق كشف أن البرنامج تم تطويره من قبل شركة برمجة متخصصة، ما يجعلها شريكة قانونية في التهرب الضريبي، ووفق القانون، كل من يستخدم أو يطوّر أدوات للتهرب يُعد شريكًا في الجريمة، ويخضع لعقوبات مالية تصل إلى مثلي الضريبة المتهرب منها.
ما حدث لا يمكن اعتباره حالة فردية أو خطأ تقني عابر، ما حدث هو محاولة متعمدة لتقويض نظام إصلاحي يهدد مصالح فئة كانت لعقود تتهرب من المسؤولية المالية، وهؤلاء لا يريدون نظامًا يساوي بين الجميع، ولا يريدون رقابة، ولا يريدون أن يساهموا كما يساهم غيرهم.
لكن الأرقام تتحدث بلغة مختلفة، أكثر من 2 مليون مكلف في الأردن استفادوا من خدمات دائرة الضريبة إلكترونيًا خلال عام واحد، وهذا يعني أن النظام ناجح، ومقبول، وفاعل، ويؤكد أن الفئات الرافضة له ليست سوى قلة تحاول فرض منطقها على المصلحة العامة.
نظام الفوترة ليس عبئًا على الاقتصاد، بل ضمانة له، فهو أداة لضبط السوق، وتكافؤ الفرص، وتحقيق العدالة الضريبية، ومن يهاجمه لا يعارض التكنولوجيا، بل يعارض الشفافية والمحاسبة، لهذا، حماية هذا النظام ليست خيارًا، بل واجبًا وطنيًا، فبدونه، تبقى الفوضى، ويستمر التهرب، وتضيع العدالة.