هل ستعود العلاقات الهندية الباكستانية إلى أحلك أوقاتها؟

مثنى عبد الله

حرير- شهدت مقاطعة كشمير المتنازع عليها بين الهند وباكستان، هجوما مسلحا استهدف موقعا سياحيا في الجزء الهندي منها في الأسبوع الماضي، أسفر عن مقتل 26 شخصا غالبيتهم من الجنسية الهندية. وقد أعلنت جماعة غير معروفة تُسمي نفسها (جبهة المقاومة) مسؤوليتها عن الهجوم. وقالت الحكومة الهندية إن هذه الجماعة هي جزء من جماعة (لشكر طيبة) الانفصالية، التي قامت بعدة عمليات ضد الهند ومُصنّفة على لائحة الإرهاب حسب الأمم المتحدة.

ولأن السلطات الهندية تتهم الحكومة الباكستانية بدعم هذه المجموعة، فقد أعلنت عدة إجراءات ضد باكستان منها، الطلب من جميع المواطنين الباكستانيين المقيمين على أراضيها بمغادرة البلاد، وتعليق العمل باتفاقية تقاسم المياه بين البلدين، وإغلاق المعبر الحدودي الرئيسي بينهما. كما ردت باكستان على هذه الإجراءات بمثلها، وطلبت من الرعايا الهنود مغادرة أراضيها، وأغلقت الحدود والمجال الجوي بوجه الطيران الهندي. كما تبادل الطرفان تخفيض عدد الدبلوماسيين. أما الجيشان الهندي والباكستاني فقد عززا مواقعهما على جانبي الحدود بانتظار ساعة الصفر، فهل ستتدحرج هذه الأزمة لتقود البلدين إلى حالة صدام مسلح؟

في العلاقات الدولية هناك نظرية تسمى نظرية القوس والسهم، حيث يُمثل القوس الأحداث الماضية، بينما يُمثل السهم صورة ما سيحدث حاضرا ومستقبلا. فكلما سحبنا القوس إلى الوراء حيث الماضي، انطلق السهم إلى الأمام بالقوة نفسها ليرسم صورة الحاضر والمستقبل. ويبدو أن هذا التصوير يمثل بصورة متطابقة طبيعة العلاقات الهندية الباكستانية، فالتصعيد الحالي ليس حديثا والخلافات الحادة بين الهند وباكستان مستمرة منذ انفصال باكستان عن الهند في عام 1947، حيث انقسم إقليم جامو وكشمير إلى جزئين، الجزء الهندي والجزء الباكستاني، وهناك جزء سلمته باكستان إلى الصين، وما زالت الهند تعتبر هذا الإقليم جزءا من أراضيها، بما فيها الجزءان الصيني والباكستاني. وقد خاضت الهند وباكستان ثلاث حروب بسبب هذه القضية، ووقعت أكبر الحروب بينهما في عام 1971، التي انتهت بانفصال بنغلاديش عن باكستان بدعم عسكري هندي، كما تفاقم العداء بين البلدين عندما تسلّم السلطة حزب بهارتيا جاناتا القومي الهندوسي في عام 2014، حيث حدثت هجمات في كلا البلدين من جماعات انفصالية يدعمها الطرفان، كان آخرها في عام 2019 أدت إلى صدام مُسلح بينهما.

واليوم ومن خلال الحملات الإعلامية والدبلوماسية التي تشنها الهند بشدة ضد باكستان عقب الحادث الأخير، فإن التوقعات تشير إلى أنه ربما سيكون هناك عمل عسكري، خاصة أن الهند تشهد حاليا اجتماعات أمنية متكررة على أعلى المستويات، وتم استدعاء سفراء دول مجموعة العشرين والهند أحد أعضائها، لغرض إطلاعهم على الأزمة الحالية. كما أن الإجراءات الاقتصادية يبدو أن نيودلهي قد باشرت بها ضد إسلام آباد، حيث حرّكت أسطولها البحري بمواجهة ميناء كراجي، الذي يشكل العصب الاقتصادي لباكستان، ويدر 100 مليار دولار في الدخل القومي لها. ويمثل إلغاء اتفاقية تقاسم المياه بين البلدين بمثابة إعلان حرب عليها، خاصة أن 70% من حاجة باكستان للمياه تأتي من خلال هذه الاتفاقية. وتعود معاهدة المياه إلى عام 1961 وتشمل ستة أنهار منابعها من الهند، وثلاثة منها تصب في الجانب الباكستاني من كشمير. وحسب هذه الاتفاقية لا يُسمح لاي من الطرفين بتعليقها، وتم التوقيع عليها تحت إشراف البنك الدولي.

إن كل أزمة تقع بين الهند وباكستان دائما ما تدفع للمقارنة بين الطرفين، ففي حين يحتل الجيش الهندي المرتبة الرابعة بين أقوى جيوش العالم بعديد جنود يبلغ 4 ملايين، يأتي الجيش الباكستاني في المرتبة التاسعة عالميا بعديد جنود يبلغ نحو 654 ألف عسكري. كما أن ميزانية الدفاع الهندية تبلغ 47 مليار دولار أمريكي، تقابلها ميزانية دفاعية باكستانية لا تتجاوز 7 مليارات دولار. كما عملت الهند مؤخرا على إعادة هيكلة استراتيجيتها وصناعاتها الدفاعية وتطوير عقيدتها القتالية من نهج دفاعي إلى نهج أكثر هجومية. وهي تسعى إلى تحقيق صناعة دفاعية بقيمة 25 مليار دولار خلال عام 2025، مع تصدير معدات دفاعية بقيمة 5 مليارات دولار سنويا. باكستان أيضا طوّرت من قدراتها الدفاعية عبر تعزيز منظومتها للردع النووي، بصواريخ نووية تكتيكية مُصممة خصيصا لاستهداف القوات الهندية في حالة نشوب حرب بينهما. كما عزز الطرفان قدراتهما الدفاعية غير التقليدية، بما في ذلك الحروب السيبرانية والاستخباراتية.

إن العوامل التي تدفع الهند الآن للتحشيد السياسي والدبلوماسي والعسكري ضد باكستان كثيرة، فباكستان تُعاني من أزمة اقتصادية حادة، والوضع السياسي الداخلي فيها متدهور، وتنشط حركات انفصالية في إقليم بلوشستان تصارع الحكومة، وكل هذه العوامل تجد الهند فيها فرصة سانحة لزيادة الضغط على جارتها وعدوتها اللدودة باكستان. كما أن هناك حشدا شعبيا كبيرا ورأيا عاما هنديا وأحزابا سياسية تدعم الحكومة في هذه الأزمة، لذلك تبدو الحكومة في نيودلهي في موقف قوي حتى من قبل المجتمع الدولي، الذي يتجنب الحديث عن باكستان باعتبار أن الهند قوة اقتصادية وعسكرية صاعدة. والعالم الغربي والولايات المتحدة على وجه الخصوص بحاجة إلى الهند في مواجهة الصين. بالتالي هناك دعم دولي قد تستثمره الهند للقيام بعمل يُضيّق الخناق على باكستان، لكن المسألة الأساسية هنا هي أن إسلام أباد تعتبر أن استخدام النووي ضرورة في حال تعرض أمنها القومي للخطر، على الرغم من أن الدولتين لديهما ردع نووي قد يحول دون الذهاب إلى خيار الحرب.

إن الأزمة الحالية بين الهند وباكستان ليست مُستثناة من الصراع بين الدول العظمى في هذه البقعة الجغرافية، والدليل على ذلك هو، أنه عندما وقفت الهند إلى جانب روسيا في الحرب الأوكرانية، غض الغرب والولايات المتحدة النظر عن ذلك التقارب، لأن العين على الصين ودور الهند في مناكفتها لصالح الغرب. والآن عندما تدخل باكستان طرفا حيويا في هذه الأزمة مع الهند، هي الأخرى لا يمكن أن تكون لوحدها في هذه المعركة، فلربما تقف الصين وحلفاء آخرين إلى جانبها، لذلك تتخوف الهند من أي عمل عسكري قد يجر إلى حرب شاملة، وهذا ما لا تريده نيودلهي وإسلام أباد وبكين أجمعين.

إن ما تسعى إليه الهند في اتهامها لباكستان بالمسؤولية عن الهجوم المسلح الأخير في كشمير، هو أن تدفع العالم كي يرى باكستان على أنها دولة راعية للإرهاب، ثم يضعها تحت طائلة العقوبات الدولية. وهي تعتقد أنها في مرحلة تستطيع القيام بذلك نظرا لمقبولية الغرب بها.

مقالات ذات صلة