منتدى أنطاليا والطموحات التركية الواسعة- الدبلوماسية أولا

عبد الحميد صيام

حرير- اختتمت أعمال منتدى أنطاليا للدبلوماسية في نسخته الرابعة، الذي عقد تحت شعار «التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم». وقد جمع المنتدى ما يزيد عن ستة آلاف مشارك ومشاركة من 155 بلدا، من بينهم 26 رئيسا و64 وزير خارجية، بالإضافة إلى ممثلين عن 60 منظمة دولية. وقد عقدت خلال الأيام الثلاثة نحو 50 جلسة، غطت كثيرا من القضايا الملحة اليوم مثل، حرب الإبادة في غزة والوضع في سوريا، ودور الذكاء الاصطناعي والقضايا الأفريقية والإرهاب والمرأة والحماية التجارية والاستجابة الإنسانية وغيرها الكثير.

وأود أن أقدم بعض الملاحظات والتعليقات المتعلقة بالمنتدى الذي شاركت فيه لأول مرة.

* المنتدى كان في جوهره تظاهرة تركية عالية المستوى في العلاقات العامة، لتثبيت الدور الكبير الذي ترى تركيا نفسها مؤهلة للعبه في مستقبل المثلث الافريقي العربي الآسيوي، حيث تلعب تركيا دورا محوريا في هذه المناطق الثلاث، وترى نفسها الآن، بعد تراجع الدور الإيراني، الأكثر أهلية لملء الفراغ، خاصة في الدول المجاورة الأربع (سوريا ولبنان والأردن والعراق). وكان هناك حضور لافت للوفد العراقي، ولقاءات ثنائية توجت مساء الأحد باتفاقية مهمة حول التنسيق الأمني، وحل مشكلة حزب العمال الكردستاني، بعد إعلان رئيسه التاريخي عبدالله أوجلان، التخلي عن السلاح وإنهاء الكفاح المسلح.

* الحضور العربي كان ضئيلا، ولم يكن هناك أي معرض فني أو ثقافي أو إعلامي من العالم العربي. عدد الندوات المتعلقة بالعالم العربي قليلة. كانت هناك ندوة رفيعة المستوى عن سوريا، دون مشاركة سورية ما دعا نائب وزير الخارجية التركي نوح يلماز، لأن يفسر ذلك باضطرار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، العودة بشكل طارئ لسوريا. كما كانت هناك ندوة رفيعة المستوى أيضا عن غزة، شارك فيها وزير الخارجية هاكان فيدان، ووزراء خارجية مصر والأردن وإندونيسيا والبحرين ورئيس وزراء السلطة الفلسطينية محمد مصطفى. وندوة باردة أخرى عن حل الدولتين، شارك فيها أمين عام جامعة الدول العربية، الذي كان يتجول في المنتدى معظم الوقت وحيدا.

الحضور الافريقي

* كان هناك حضور واسع للدول الافريقية، وعلى مستوى تمثيلي عال. كما أن عدد الجلسات المخصصة للقضايا الافريقية فاقت بكثير ما يتعلق بالعرب وقضاياهم. وأقام الأفارقة معرضا تحت عنوان «بيت الثقافة الافريقية» قامت بزيارته أمينة أردوغان مصحوبة بزوجة الرئيس السوري لطيفة الدروبي. وكان المعرض يوزع كتاب «جولاتي الافريقية» لأمينة أردوغان، مجانا. وأعطى المنتدى مساحة للقادة الافارقة، لطرح وجهات نظرهم، إضافة إلى اللقاءات الثنائية بين القيادات التركية والافريقية. تركيا تتقاسم الآن مع الصين الإرث الفرنسي.

* وقد حضر جميع رؤساء الدول، أو الحكومات التي ساندتها تركيا، عسكريا واقتصاديا، وأهمها سوريا وليبيا والسودان والصومال. فقد كان ظهور أحمد الشرع، وإن كان رمزيا، إلا أنه كان جاذبا، لكنه آثر ألا يتكلم أو يلتقي بالصحافة، أو يدلي بأي بيان. وعاد إلى سوريا على وجه السرعة. كما حضر عبد الفتاح البرهان المنتدى، ولم يدل أيضا ببيانات علنية واجتماعاته بقيت محصورة مع الجانب التركي، الذي بدا واضحا أنه يريد أن يشكر تركيا لدعمها قوات الجيش، الذي استطاع أن يسترد مدينة الخرطوم من جماعة قوات الدعم السريع مؤخرا. وهو ما ينطبق على عبد الحميد الدبيبة رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية الليبية، فلولا القوات التركية لاجتاح المشير خليفة حفتر مدينة طرابلس خلال أسبوعين، كما وعد بنفسه، عندما أطلق عملية تحرير طرابلس في شهر أبريل 2019. فالمساعدات التركية هزمت حفتر ومشروعه، وحافظت على شرعية حكومة الوفاق ووريثتها حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا. كما أعطى المنتدى مساحة للرئيس الصومالي حسن شيخ محمد، في ندوة خاصة به، حيث أثنى على الدور التركي في مساندة بلاده اقتصاديا وأمنيا ما مكن الدولة أن تقف على رجليها، وأن تغادر نهائيا فئة «الدولة الفاشلة».

التركيز على الدبلوماسية

* المنتدى السنوي أصلا يحمل في عنوانه كلمة الدبلوماسية وشعاره أيضا يركز على الدبلوماسية في عالم منقسم، وقد أكد هذا مرارا وتكرارا وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في كل لقاءاته، خاصة في المؤتمر الصحافي الختامي. «المنتدى ناقش سبل تبني الدبلوماسية بدلا من الاستقطاب. الدبلوماسية ليست مجرد أداة تستخدم في أوقاتت الأزمات. فالمشتهى أن تظل الدبلوماسية الخيار الأول لدى صناع القرار». في افتتاح المؤتمر سمعنا كلاما قويا من الرئيس أردوغان، الذي ركز على حرب الإبادة في غزة. ووصف إسرائيل بأنها دولة إرهاب، وأن المقاومة الفلسطينية شرعية حسب القانون الدولي. وتحدث عما يجري من جرائم في غزة، وأشار إلى قصف خيمة الصحافيين ورفض إسرائيل واستخفافها بمناشدات عالمية بتجنب قصف المستشفيات والمدنيين والمسعفين وغيرهم.

مقابل هذا الخطاب تسمع كلاما هادئا من وزير الخارجية الذي، للعلم، استعمل مصطلح حرب الإبادة على غزة، لكنه يسعى إلى تبريد الوضع بعد قيام إسرائيل بمهاجمة عدد من القواعد العسكرية قيل إن تركيا ذكرتها كاحتمال لإقامة قواعد فيها، بعد أن يتوصل الطرفان إلى اتفاقية دفاع مشترك، ما أصاب إسرائيل بنوع من الهيستريا، فقامت تركيا بترتيب لقاءات لاحتواء التوتر في أذربيجان، التي وصفها فيدان بأنها «مباحثات تقنية فقط لتجنب الاصطدام فوق الأراضي السورية وليس لها أي بعد سياسي». وقد ألحت الصحافة في المؤتمر الصحافي، في اختتام أعمال الدورة على الوزير، للتصريح بما يمكن أن تقوم به تركيا من خطوات عملية لوقف مجازر غزة، ولم يزد على القول إن بلاده سحبت السفير وأوقفت التعاملات التجارية (لم يستخدم كلمة جميع)، وما بقي فللعمل الدبلوماسي الجماعي عبر منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية للضغط على الولايات المتحدة لوقف الحرب. أما عن سوريا فقد حملت الأسئلة نوعا من العتب أو الانتقاد لعدم حماية السيادة السورية من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وأن بيانات الشحب والإدانة لا توقف معتديا، فقال: «إن بلاده تريد تحقيق الاستقرار في سوريا، والابتعاد عن الاستفزازات، وتعمل على عدم الدخول في أي صراع مع أي دولة داخل الأراضي السورية». وأشار إلى اتصالاتٍ وجهودٍ تبذلها تركيا في اتجاه وقف الاعتداءات الإسرائيلية، التي لن تحقّق الاستقرار المنشود في هذا البلد. وأكد أن بلاده ستواصل جهودها للتنسيق مع الأطراف المعنية، بما فيها إسرائيل والولايات المتحدة لتجنّب حصول تصادم في سوريا.

* الوضع الداخلي في تركيا وبعد اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، لم يكن مطروحا على الإطلاق، ولكنني أحببت أن أستمع لآراء عدد من الصحافيين العرب المقيمين في إسطنبول الذين أكدوا أن القضية الآن أمام المحكمة التي لديها مجموعة وثائق عن عمليات الفساد. كثير من هذه الوثائق سربها الحزب الجمهوري نفسه، أثناء الحملات الانتخابية كي يستبعد أكرم أوغلو من سباق الرئاسة، والآن ارتد الأمر عليه. لكن، كما ذكر صديق مصري: أردوغان يشعر بأنه باني تركيا الحديثة، وإنجازاته في مجالات التجارة والصناعة، خاصة العسكرية، والسياحة والبنى التحتية لا ينكره حتى ألد أعدائه. ومن أكبر إنجازاته السياسية التحول الكبير في سوريا لصالح تركيا والاتفاق مع حزب العمال الكردستاني، ثم تصفير المشاكل مع عدد من الدول العربية كالسعودية والإمارات وحتى نسبيا مع اليونان. لقد وضع تركيا في الموقع الثاني عشر اقتصاديا، ولن يتخلى عن هذه الإنجازات بسهولة، إلا لمن يثق بأنه سيتابع الطريق، إنه يحلم بتركيا العظمى ويرى نفسه أتاتورك الثاني.. ذاك بنى الجمهورية وهذا شيّد عظمتها.

مقالات ذات صلة