
الأحزاب وأمراضها.. حدود الظاهرة ومآلاتها (2-9)
د. أسامة تليلان
أمراض الحوكمة ..
بمعنى حوكمة كافة هيئات الحزب وقراراته واجراءاته وأنظمته ومهامه ومصادر تمويلة وانفاقه، وضمان توفر أدوات المسائلة والمتابعة والمحاسبة، وتوسيع قاعدة توزيع المهام بدل تكديسها بيد مجموعة صغيرة، واستكمال بناء الحزب كمؤسسة تمتلك عناصر القدرة على الاستمرارية والتكيف والاستجابة للظروف والتحديات، وبناء الرؤية والاستراتيجات والاستدامة المالية، ووجود آليات محددة لمحاسبة القيادات الحزبية ومراجعة قراراتها…. الخ.
وهذه تشكل الرافعة الأساسية في عملية التطوير والارتقاء بالأداء، لإن تعزيز أداء الحزب وتعزيز حضوره السياسي والاجتماعي يشكل حاصل جمع أداء كافة هيئاته وفروعه. وهذا يحتاج الى جهود مستمرة تقودها الأحزاب من الداخل نحو مأسستها وحوكمتها.
لإن البديل في غياب الحوكمة والمأسسة على الصعيد الداخلي للأحزاب هو زيادة أمراض عدم التماسك، وعدم القدرة على التطوير والتجديد، وضعف الاستقرار التنظيمي، وسوء إدارة الموارد البشرية والمالية، وعدم وضوح آليات اتخاذ القرار والتمويل والإنفاق، وغياب التخطيط الاستراتيجي لصالح الارتجال، والارتباط بالأفراد كبديل عن المؤسسة التي تملك سياسات وبرامج وتحالفات مؤثرة واشتباك خارجي فعّال مع التشريعات والممارسات والسياسيات العامة ومع المجتمع.
وعلى المستوى الخارجي تلعب الحوكمة دوراً اساسياً ومهماً على عدة مستويات: أولاً: إعادة الثقة في الأحزاب وتعزيز الثقة في الحياة السياسية عندما تدار الأحزاب في أطر الحوكمة التي تعزز الشفافية والمسائلة مما يشعر الموطنون بجدية العمل الحزبي المسؤول.
لذلك تغيير الثقافة السلبية السائدة والصورة النمطية حول الأحزاب يتطلب منها جهود جادة في عملية توطين الحوكمة وتطوير قواعد اشتباكها الايجابي مع المجتمع.
ثانياً: بناء ثقافة ديمقراطية ايجابية لدى المجتمع تحل مكان الثقافة السائدة التي لا تشكل بيئة صديقة للأحزاب السياسية سواء على صعيد الانخراط بالعمل الحزبي أو على مستوى صناديق الاقتراع، ويتعزز مثل هذا الاستنتاج بوجود حوالي 200 ألف ورقة اقتراع بيضاء في الدائرة العامة في الانتخابات النيابية الأخيرة.
الهيئة المستقلة للانتخاب تنبهت الى أهمية الحوكمة وبادرت لعقد دورة متخصصة في هذا المجال، ولديها توجه كما سمعت للتعاون مع الأحزاب في مجال حوكمة انظمتها الداخلية، ومن وجهة نظر شخصية ينبغي أن تكون حوكمة الأنظمة الأساسية أو الداخلية للأحزاب جزء من معايير الدعم المالي الموجه لها، إن لم يكن شرطاً لترخيصها، ولهذا ما يبرره على الأقل من جهة أن أموال الأحزاب تعامل في القانون بحكم الأموال العامة وأن هناك شريحة داخل الأحزاب لا ترغب أو تهتم في تجذير الحوكمة.
لقد شكلت حالة عدم قدرة الأحزاب على الوصول الى البرلمان ملمحاً رئيساً في مسار ما بعد العودة الى الحياة البرلمانية، وبعد مرحلة التحديث السياسي يمكن التخمين بأن العامل الأكثر حسماً في تحسن هذه القدرة مرجعه الرئيسي لما وفره قانون الانتخاب من مقاعد مخصصة للأحزاب وليس بفعل تطويرها لإدائها الذي سيظل محكوماً بقدرتها على استكمال بناء عناصر المؤسسية في أبنيتها وفي توفير كافة عناصر ومتطلبات الحوكمة الضرورية للتخلص من أمراضها بشكل فاعل، ولتصبح جسراً لإعادة ثقة الناخبين والمواطنين بها كمؤسسات ديمقراطية تقدم نموذجاً في الحاكمية الرشيدة.



