
الأحزاب وأمراضها.. حدود الظاهرة ومآلاتها (1-9)
د. أسامة تليلان
تؤكد قاعدة راسخة في أدبيات النظم الانتخابية أنه مثلما تكشف أي انتخابات يتم اجراؤها بموجب أي نظام انتخابي جديد في اليوم الثاني عن المزايا والفرص الضائعة أمام الناخبين والمتنافسين وخصوصا الأحزاب، فإنها تكشف أيضا عن جوانب الضعف في أداء بعض المتنافسين وفي مقدمتهم الأحزاب.
ومشاركة الأحزاب السياسية الأردنية في الانتخابات النيابية الأخيرة ليست استثناء من هذه المقولة بقدر ما تجسدها، وهذا يعود للعديد من الأسباب البنيوية الداخلية وتلك القادمة من البيئة الخارجية التي يمكن إجمالها في تجربتنا بما يلي:
أولا: طبيعة النظام الانتخابي وما يتيحه من فرص ومزايا وما يفرضه من تحديات من الصعب إدراك أغلبها إلا بعد تجريبه أول مرة، سواء بالنسبة للمتنافسين أو الناخبين.
ثانياً: بنية الأحزاب وحداثة تأسيس بعضها وعدم استكمال عناصر بنائها وتعزيز اشتباكها الايجابي الخارجي.
ثالثاً: حداثة الخبرة وعدم ا الاحاطة بطبيعة التحولات التي اصابت فكرة الأحزاب
وأدواتها بعد سيادة الديمقراطية ومن ثم متطلبات التحول الى الفضاء الرقمي.
رابعاً: طبيعة الثقافة السياسية السائدة وموقفها من الأحزاب.
لذلك تشكل عمليات المراجعة والتقييم ضرورة لفهم أبعاد هذه الظاهرة لسببين:
الأول: أن الأحزاب بعد مخرجات عملية التحديث السياسي تموضعت كشريك في النظام السياسي وكمكون أساسي يصعب الاستغناء عنه سواء خارج البرلمان أو داخله بسبب وظائفها النوعية والتمثيلية.
والثاني أن ضعف أداء الأحزاب سيحول ليس فقط دون تمكنها من الوصول الى البرلمان بكفاءة والقيام بوظائفها النوعية وإنما ايضاً من انتشارها المجتمعي وتمثيلها للناخبين وتمتعها بالقبول الاجتماعي والأهلية السياسية، مما يتطلب معرفة هذه الأسباب أو الأمراض (إن جاز تسميتها) ورصدها ومعالجتها إن وجدت، سواء بالنسبة للأحزاب التي وصل بعضها الى البرلمان أو تلك التي لم تصل، إذا ما أرادت أن تطور أدائها وتعزز حضورها البرلماني والاجتماعي وأن تتموضع كشريك قادر على القيام بوظائفه النوعية في إطار النظام السياسي .
وأهم هذه الأمراض على صعيد بنية الأحزاب الداخلية: الحوكمة والمأسسة، الديمقراطية الداخلية والأنظمة التنافسية، العضوية على مستوى الفكرة والقاعدة، الايرادات المالية، ضعف الاشتباك الخارجي.
وفي المقالات القادمة سيتم تناول كل مرض في مقال منفصل لتسليط الضوء أكثر على تداعياتها على الأحزاب وقدراتها التنافسية.