أبعاد زيارة ماكرون لمصر في لحظة فارقة من تاريخ المنطقة.

بقلم الإذاعي: شريف عبد الوهاب

في توقيت لا يحتمل التردد، ولا يقبل الصمت، جاءت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر لتكون أكثر من مجرد زيارة رسمية. إنها رسالة مصر إلى العالم: نحن طرف فاعل في معادلة السلام، ولسنا متفرجين. نحن بلد يسعى لوقف نزيف الدماء في غزة، ويدعو لعودة الإنسانية في زمن القسوة.

مصر، بتاريخها وثقلها السياسي، تستقبل رئيس دولة كبرى، لا ليُقال إنها فقط تفتح ذراعيها للغرب، بل لتُعلن بوضوح: نمدّ يد السلام، لكننا لا نغفل عن حماية أمننا. زيارة ماكرون، وسط مشهد دموي في فلسطين، وأزمة عالمية في القيم، هي اعتراف من أوروبا بأن مصر ما زالت تملك مفتاح الاستقرار في الشرق الأوسط.

ومن خلال هذه الزيارة، أرادت القاهرة أن تقول: نحن صوت العقل حين تعلو أصوات البنادق، ونحن حماة الأمل حين يتراجع العالم عن مسؤولياته. ولهذة الزيارة عدة رسائل
الرسالة السياسية كانت واضحة: مصر ما زالت محور توازن في الإقليم، قادرة على الحوار مع الشرق والغرب، وتحتفظ بعلاقات قوية مع القوى الكبرى دون أن تفرّط في ثوابتها. استقبال ماكرون، والتباحث معه حول الأوضاع في غزة، وفي شرق المتوسط، وفي العلاقات مع أوروبا، يوضح أن مصر لا تُعزل، بل تُستشار.

الرسالة الإنسانية كانت أبلغ ما يكون حين جلس الرئيس الفرنسي في قلب القاهرة الشعبية، في مقهى نجيب محفوظ، رمز الأدب والتنوير. هناك، بعيدًا عن القصور، أرسل ماكرون ومصر معًا رسالة رمزية بأن الثقافة هي الحصن الحقيقي للسلام، وأن التعايش لا يبدأ من غرف الاجتماعات فقط، بل من نبض الشارع وروح الناس.

أما الرسالة الأمنية، فكانت في مشهد مهيب لطائرات الرافال المصرية التي رافقت طائرته في الأجواء المصرية. مشهدٌ قصير لكنه يقول الكثير: نحن ندعو إلى السلام، لكننا نملك القوة لردع من يحاول العبث بأمننا القومي. رسالة مزدوجة فيها احترام الشريك، لكن مع وضوح في أن السيادة المصرية لا تُمس.
في ظل هذا المشهد المتشابك، تأتي دعوة مصر للعالم لتغليب صوت الحكمة، لا كموقف سياسي فقط، بل كدعوة حقيقية لكل مواطن مهتم بما يدور حوله. فهذه الزيارة ليست مجرد لقاء بين رئيسين، بل فرصة لنا كمجتمع أن نقرأ ما بين السطور، أن نفهم موقع مصر في هذا العالم، وأن ندرك أن السلام ليس قرار حكومات فقط، بل هو مسؤولية مشتركة. على كل من يهتم بمستقبل المنطقة أن يتابع مثل هذه التحركات بعين الوعي، وأن يدرك أن مصر لا تزال، رغم التحديات، تحتفظ بدورها المحوري في صنع التوازن والعبور بالأزمات نحو بر الأمان.
شريف عبد الوهاب
رئيس الشعبة العامة للاذاعيين العرب
رئيس الشبكة الثقافية بالإذاعة المصرية الاسبق

مقالات ذات صلة