حواري مع. الميكرفون رفيق العمر – الجزء الأول

بقلم شريف عبد الوهاب

شريف (يمسك بالميكروفون، يتأمله بحنين):
كنت دائمًا ممسكًا به، أُفرغ فيه كلماتي، وأبثّ من خلاله أفكاري وأحلامي… واليوم، هو من يحاورني.
إنه الميكروفون، الصديق الصامت الذي حمل صوتي عبر الأثير، ورافقني في كل لحظة، لكنه الآن قرر أن يتحدث.

الميكروفون (بصوت دافئ، مليء بالحنين):
ها قد عدتَ إليّ من جديد… لكن، قُل لي، هل تذكر أول مرة التقينا فيها؟

شريف (يبتسم، يتأمل الميكروفون):
وكيف لي أن أنسى؟ أول لقاء كان في صوت العرب، حيث خفق قلبي للمرة الأولى مع الموجات، حيث كنتُ أتعلم كيف ألوّن الكلمات بالصوت وحده، كيف أجعل المستمع يرى دون أن يرى، ويسمع أكثر مما يسمع.

الميكروفون (بشغف):
كنتَ شابًا متحمسًا، تتلمس طريقك بين الكبار في اذاعة صوت العرب، وتدرجت في المناصب من مدير ادارة المنوعات الى مديرعام البرامج الخاصةثم مدير عام الادارة العامة للمنوعات ثم نائبا لشبكة صوت العرب ثم أصبحتَ رئيسًا للشبكة الثقافية. لكنّي أتساءل، هل كنتَ تعلم منذ البداية أن هذا سيكون قدرك؟

شريف:
لم يكن القدر وحده، بل كان الشغف والاجتهاد. بدأتُ مذيعًا من الدرجة الثالثة عام 1983، ثم خضتُ رحلتي بين البرامج الثقافية والمنوعات والسياسية وتعلمتُ من كل تجربة، وأدركتُ أن الكلمة مسؤوليّة، وأن الصوت قد يكون سلاحًا أو طوق نجاة.

الميكروفون:
لكنّك لم تكتفِ بالإذاعة، بل خضتَ غمار الكتابة الدرامية. هل كنت تبحث عن أفق جديد للصوت؟

شريف:
تمامًا! فالكلمة المسموعة تحتاج إلى صورة في الذهن، وما الدراما إلا لوحة مرسومة بالحوار والمواقف. كتبتُ نصوصًا درامية قدّمتها الإذاعة، وكنتُ أعيش شخصياتها كأنها جزء من روحي، أتنفس من خلالها، وأمنحها صوتًا يتردّد بين الناس.

الميكروفون:
وبين الصوت والصورة، وجدتَ طريقك إلى الكاريكاتير… كيف اجتمعت الكلمة والريشة؟

شريف (يضحك):
لطالما كنتُ مولعًا بالرسم، لكنه لم يكن مجرد خطوط، بل كان حوارًا صامتًا مع الواقع. الكاريكاتير يشبه الإذاعة، فكلاهما يعتمد على الإيحاء، على ترك فراغات يملؤها المتلقي. بالصورة كما بالصوت، كنت أبحث عن لحظة التأثير، عن تلك الومضة التي تجعل المستمع أو القارئ يتوقف، يفكر، وربما يبتسم أو يحزن.

الميكروفون:
إعلامي، كاتب، رسام كاريكاتير… لكن لا تنسَ الجوائز التي حصلتَ عليها!

شريف (بهدوء):
الجوائز شهادة تقدير، لكنها ليست الغاية. نعم، حصلتُ على جوائز عديدة في الإذاعة والإعلام، تقديرًا لمسيرتي، وكنتُ فخورًا بها، لكن أكثر ما يسعدني هو أن يظل صوتي حيًا في ذاكرة المستمع، أن تجد كلماتي صداها، أن يترك قلمي أثرًا، سواء في دراما مسموعة أو في رسم ساخر.

الميكروفون (بفضول):
وبعد كل هذه الرحلة، ماذا بعد؟ هل ما زال لديك حلم لم يتحقق؟

شريف (بابتسامة واثقة):
الحلم لا يتوقف. ربما يكون في برنامج جديد يفتح أفقًا مختلفًا، أو في رواية تعبُر من الخيال إلى الواقع، أو في فكرة تغيّر شيئًا في هذا العالم. ما دام الصوت قادرًا على أن يصل، والحبر قادرًا على أن يكتب، والريشة قادرة على أن ترسم، فإن الحلم باقٍ.

الميكروفون:
إذن، لنبدأ الحديث من جديد… الأثير بانتظارك، والصوت لا يموت!

شريف (يضع يده على الميكروفون، يغمض عينيه لحظة ثم يفتحها بابتسامة):
إذن، فلنبدأ…

(صوت الهواء في الأثير، ثم يبدأ البث…)

مقالات ذات صلة