هل نشهد فراغاً رئاسياً في أميركا بسبب إسرائيل؟

مالك ونوس

حرير- يقترب موعد إجراء الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة في ظلّ أكبر شاغلٍ منذ ستة أشهر، والمقصود به الحرب الإسرائيلية على غزّة، التي يمكن أنّ يحدّد الموقف منها ومن تبعاتها، بل من تفاصيلها، اسم الرئيس الأميركي المقبل، بل قد يسبّب جولات تصويتٍ إضافية أو اضطراباتٍ في العملية غير معهودة من قبل. ويقع كلا المرشّحيْن بين ناريْن من غير الراضين عن سياساتهما ومواقفهما تجاه المذبحة الجارية في غزّة. ففي حين هنالك من يُحمِّل الرئيس جو بايدن مسؤولية عدم إيقاف الإسرائيليين حربهم، ومن ثم تسبّب مزيدٍ من القتل بين المدنيين، هنالك آخرون، خصوصاً من مؤيدي دولة الاحتلال، يتّهمونه بالتقصير تجاهها. وليس المرشّح دونالد ترامب ببعيد عن هذه المواقف، نظراً إلى أنّه طالب بوقف الحرب، وهو ما لا يحبّذه أعضاء اللوبي الإسرائيلي النشط في أي انتخابات أميركية.

في ظل الدعم الأميركي للإسرائيليين في حربهم على الشعب الفلسطيني في غزّة، وفي ظل الإبادة الجماعية الموصوفة التي تقترفها القوات الإسرائيلية في غزّة، يقتصر الضغط الأميركي على الإسرائيليين في طلب تجنيب المدنّيين عمليات القتل، كما يردّدون. وفي المرّة الوحيدة التي رفعت فيها الإدارة الأميركية القلق لديها، رفضت خطط تهجير أهل غزّة، في الوقت الذي رفضت فيه وقف الحرب رفضاً تامّاً. ومع ذلك، يجد الجانب الإسرائيلي هذه المطالب ثقيلة، وربما يعدّها تدخّلاً سافراً في شؤونه. ويحضُرنا هنا ما كتبه وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرّف، إيتمار بن غفير، في يناير/ كانون الثاني الماضي، على منصّة إكس قائلاً: “إنّ إسرائيل ليست نجمة في العلم الأميركي”، وذلك في إطار احتجاجه على انتقاد الأميركيين خطط تهجير الفلسطينيين من غزّة.

وعلى الرغم من الدعم الأميركي، الذي لم يتوقف منذ شنَّ الإسرائيليون حربهم على غزّة، بعد عملية طوفان الأقصى، ومنها أخيراً الصفقة التي تنقل بموجبها الولايات المتحدة إلى الإسرائيليين ألفي قنبلة من نوع “MK84″ التي تزن ألفي رطل، والتي كُشف عنها عشيّة اعتماد مجلس الأمن القرار رقم 2728 لعام 2024، في 25 الشهر الماضي (مارس/ آذار) الذي يطالب بوقفٍ فوريّ لإطلاق النار في غزّة في رمضان، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى أهلها. رغم ذلك، يبدو الإسرائيليون غير راضين عن الأميركيين، وكان الجفاء بين الرئيس الأميركي، جو بايدن، ورئيس مجلس الحرب الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد وصل إلى ذروته عندما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على قرار مجلس الأمن المذكور، إذ احتجّ الإسرائيليون لأنّ واشنطن لم تستخدم الـ”فيتو” لنقض القرار، وهو “فيتو” كان سيجلّل الولايات المتحدة بالعار أكثر، لأنّه سيرسِّخ ما بات مسلَّماً به لدى الرأي العام العالمي عن رعايتها الإبادة في غزّة.

وعلى عكس ما درجَ عليه القادة الأميركيون من رفض دعوات وقف الحرب على غزّة، طالب الرئيس الأميركي، جو بايدن، للمرّة الأولى، قبل أيام، نتنياهو بالوقف الفوري للحرب، في اتصال هاتفي بينهما بعد فترة من الجفاء بينهما، جفاءٌ لم يؤثر على تدفّق السلاح والدعم اللوجستي اللازميْن لاستمرار الحرب. وربما كان الأميركيون يحتاجون إلى جريمة من قبيل استهداف سيارةٍ لمنظّمة المطبخ المركزي العالمي الخيرية، وقتل سبعة من موظفّيها، حتى يخرجوا بهذا المطلب، وأضافوا إليه التطلّع إلى رؤية زيادة في وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع وفتح معابر إضافية، هذا الكلام، وهو محرجٌ وخجِلٌ، قاله المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، للصحافيين في إطار تعليقه على ما جاء في المكالمة.

من المرجّح أن يكون بايدن وفريقه قد اقتربوا من المُحرَّمات حين طالبوا بوقف الحرب وتطلّعوا إلى زيادة المساعدات الإنسانية، لأنّ الإسرائيليين عازمون على مواصلة حربهم حتى قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، وتجويعهم، وزيادة معاناة المرضى والجرحى منهم، من أجل دفعهم إلى النزوح خارج قطاع غزّة لكي يعيد الإسرائيليون احتلاله واستيطانه. وربما سيصنّفون هذه المطالب جريمةً لا تغتفر، قد يُحاسبون بايدن عليها في صناديق الاقتراع. كما أنّ تصريحات الرئيس السابق، دونالد ترامب، التي تزامنت مع الاتصال بين بايدن ونتنياهو، وغيرها من تصريحاتٍ سابقة، يمكن أن تجلب للرجل غضب الإسرائيليين، وهو الذي عادةً لا يتحسّب لتبعات الكلام الذي ينطقه، إلى حد قوله إنّ إسرائيل في حاجة إلى إنّهاء حربها على غزّة.

وكان ترامب قبل هذه الفترة قد اتهم بعض اليهود أنّهم “كارهون لإسرائيل ولدينهم” لأنهم يصوّتون لبايدن وللحزب الديمقراطي، مع العلم أنّ كثيرين من هؤلاء باتوا يرفضون السياسات الإسرائيلية، وأعلنوا، صراحةً، ما مفاده بأنّ “الحرب على غزّة ليست باسمنا”. كما اتهم ترامب من يصوّتون منهم للحزب الديمقراطي بأنّهم معادون للسامية. إضافة إلى أنه أعلن مرّة أنّ على إسرائيل إنهاء المهمة سريعاً والعودة إلى السلام. وقد كرّر دعوته قبل أيام، مضيفاً إنّه لا يفضّل طريقة إدارتهم للحرب، ما يجعلهم (الإسرائيليين) يخسرون حرب العلاقات العامة ويفقدون الدعم الدولي. أما ما يقصده بإنهاء المهمّة فهو القضاء على “حماس”. وأما السلام فهي كلمةٌ لا تروق نتنياهو، وهو الذي أجمع كثيرون على أنّه يريد الحرب لأنّها سبيله الوحيد للبقاء في موقعه والهروب من المحاكمة التي تنتظره فور خروجه من السلطة، ما قد يجعله يستهدف ترامب بغضبِه. وكان قد وقع خلاف بينهما بعد انتخابات 2020 الرئاسيّة الأميركيّة بسبب دعمه بايدن ضد ترامب، مع أنّ ما قدّمه ترامب لإسرائيل لم يقدمه أيّ رئيس أميركيّ آخر.

على الرغم من كلّ الدعم الذي قدّمه كلّ من ترامب وبايدن، قال أحد الصحافيين الإسرائيليين إنّ الرجلين يديران ظهريهما لإسرائيل. لذلك، لا تبدو إسرائيل ممتنّة لهما، ولا يمكنها أن تكون ممتنّة أبداً، ومن المحتمل لذلك أن توقِع غضبها عليهما، وربما عقابها على الأميركيين جميعهم إذا ما رصدت تقصيراً من أي فردٍ منهم تجاهها. عقاب قد يكون عبر إحداث فوضى في الانتخابات الرئاسيّة المقبلة هذا الخريف، لذلك قد نشهد فراغاً رئاسياً في أميركا، على غرار الفراغ الرئاسي الذي نشهده في لبنان كلّما اقترب استحقاقٌ انتخابي لهذا المنصب. عندها، سيدفع الأميركيون الثمن، وسيُصبح أيّ رئيس مقبل مجرّد دميةٍ بيد الإسرائيليين، خوفاً على رأسه من عقابٍ إسرائيليّ محتوم إن هو أغضبهم، الغضب الذي هم وحدهم من يحدّد أسبابه ومقاييسه.

مقالات ذات صلة