ع.بلاطه : لا مكاسب دون تضحيات
حاتم الكسواني
بعد إتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل يتداول الناس تقييم ماكسبناه وما خسرناه من بدء معركة طوفان الأقصى في غزة وما تلاها من معارك وحدة الساحات ومعركة الإسناد لقطاع غزة .
ودعونا نعترف بأن الأمر لا يشبه عملية إصدار ميزانية سنوية توضع فيها المكاسب مقابل الخسائر ليفوز من ترجح كفته بل ان المعارك الوطنية تحسب وفق نتائجها بعيدة المدى لا نتائجها الآنية، وهو فهم لا يتفق معك عليه الكثيرون ، لكنه محسوب حسب ثقافة الناس وتربية بيئتهم ومشاعرهم و آمالهم وامانيهم .
واعذرونا فيما سنذهب إليه فقد تربينا على أمل العودة وأماني الانتصار.. وتربت ذاكرتنا على زيارات خاطفة لبلدتنا المقدسية في فلسطين التي احتلت عام 1967 ، حيث لم تغادر مخيلتنا صور بساتيننا وبيوتنا فيها ، فكيف ننسى شجيرات سميت بأسمائنا وكيف تنسى أيادينا لذة قطفها لحبات التين والتفاح والخوخ و عناقيد العنب عن أمها .
هذا الذي يجعلك تتحمل فداحة الثمن وهذا الذي يجعلك مصمما على حتمية العودة والنصر … وبعد ،
انتصر لبنان وانتصرت غزة عندما أشعروا الإسرائيليين قيادة وشعبا طعم الموت ، وفقدان المساكن ، ومعنى النزوح ، وعندما أشعروهم بالخوف اليومي وعدم الأمان .
انتصر لبنان وانتصرت غزة عندما شعر الإسرائيليون بطعم الحرب الحقيقية طويلة الأمد التي جاوزت الأيام الستة المكللة بالنصر التي خبروها .. وعندما تقاطر جنودهم محملين داخل توابيتهم أو نحو المستشفيات ، وعندما هرعوا جماعات ووحدانا نحو الملاجئ بعد كل إنطلاق لصفارات الإنذار ،وهي حالات عاشوها لأول مرة .
كثيرة هي الصور التي عاشها الإسرائيليون لأول مرة وقد كنا نعيشها على مدى أكثر من 76 عاما منذ مجازرهم الإبادية لقرى وبلدات وشعب فلسطين عام 1948 .
هم الآن يألمون كما ألمنا كثيرا حتى أننا أصبحنا نزغرد للراحلين الشهداء تخفيفا لألم الفقد ، وعسى أن تغير هذه المرة كثيرا من فهمهم لما يفعلونه بنا ، وفهمهم لإستحالة تحقق ما يخططون له ، وفهمهم لمعنى وجود شعوب مقاومة رافضة لوجودهم وكيانهم ، فالأمر ليس النزهة التي أعتادوا عليها سابقا عند إجتياحهم للأرض العربية .
وفهمهم لإستحالة ما يخططون له هو النصر الأكبر الذي حققته غزة وحققه لبنان حيث انهارت كل مقولاتهم التلمودية المدعية بإمتلاكهم الوعد الإلاهي غير المشروط لأرضنا العربية ، حيث بعد الطوفان لا أرض تأخذ مجانا و بلا مقاومة ، فالموت لهم بالمرصاد كما نموت نحن ” الموت مقابل الموت ” ولا ارض تقدم مجانا على طبق من فضة كما يحلم نتنياهو المطلوب للعدالة الدولية ويعد ترامب الذي يعيش في عالم الخيالات .
نعول على الأيام ، ونتوكل على الله ، ونتحمل فداحة الأثمان.. فلا مكاسب دون تضحيات .