وصفة للفوضى.. نبيل الغيشان

نعرف أن الحكومة في وضع لا تحسد عليه، فصندوق النقد الدولي مصر على صيغة مشروع قانون ضريبة الدخل التي فرضها على الحكومة السابقة لتقدمها الى مجلس النواب في رمضان الماضي والتي أدت الى غضب شعبي كان نتيجته إسقاط حكومة الملقي وسحب الحكومة الجديدة لمشروع القانون.

الحكومة التي ما زال رئيسها يحظى باحترام الشارع كونه لم يمد يده على جيوبهم بعد، يبدو انها تواجه لحظة الحقيقة المرة. فإذا أصر الصندوق على إحراج الحكومة وإن هي استجابت للضغط فإنها بلا أدنى شك ذاهبة الى نقطة التماس مع الشارع الأردني.

الصندوق يعرف حاجتنا لشهادته، لذا يصر على ان كل مواطن أردني يزيد راتبه الشهري عن 500 دينار يجب ان يدفع ضريبة دخل، وإذا ارتأت الحكومة منح إعفاءات لمواطنيها فوق ذلك يجب ان تعوض (الفاقد الضريبي الذي يزيد عن ال500 دينار) بفرض مزيد من الضرائب على المحروقات او ضريبة المبيعات او غيرها.

ولا تقف مطالب الصندوق هنا، بل هو يتطلع الى فرض ضرائب جديدة على الأرباح الرأسمالية وعلى توزيع الأسهم وإيجار العقارات وهو ما جاء في نص مشروع القانون المسحوب والذي خفض إعفاء العائلة إلى 16 ألف دينار بدلا من 28 ألفا الممنوحة في القانون الساري المفعول.

طبعا نحن في وضع مالي غير مريح نتيجة استحقاق الديون الخارجية التي بات مطلوبا تسديدها مطلع العام المقبل بقيمة مليار و700 مليون دولار!!

لذا فان الحكومة تعرف جيدا ان إعادة إحياء مشروع القانون السابق او إعادة تجميله لن يكون سوى وصفة للتأزيم مع الشارع الذي حدد سقفا لأي مشروع قانون ضريبة جديد لا تستطيع الحكومة او مجلس النواب تجاوزه.

والحكومة حتى هذه اللحظة لم تف بوعدها بإعادة دراسة العبء الضريبي ليس بهدف زيادة واردات الخزينة فقط، بل لتحقيق بيئة ضريبية عادلة ومكافحة التهرب الضريبي وتحسين الأدوات الضريبية وبالتالي تحفيز النمو الاقتصادي.

لا شك بان رئيس الحكومة د. عمر الرزاز خبير وعليم بخبايا الصندوق، وعليه ان يطلب من إدارة الصندوق ان ترفق بمشروع قانونها (الكارثي) التي تريد فرضه علينا دراسة علمية تبين مدى استفادة الاقتصاد الأردني من هذا المشروع ومدى تأثيره على الأحوال المعيشية للفئات الشعبية وخاصة محدودة الدخل، وهذا حق مشروع لكل الدول التي تتعامل مع البرامج الإصلاحية للصندوق.

اما على جبهة مجلس النواب فان النواب متحفزون للمواجهة مع الحكومة إن هي (عادت لعادتها القديمة) وذلك بتفويض وضغط شعبي نتيجة الأخطاء السابقة.

ويعرف صندوق النقد إن أية ضغوطات على الحكومة لا تعني بان مجلس النواب سيوافق عليها ويمررها. وقد حاول مفاوضو الصندوق ان يلزموا الحكومة السابقة والحالية بخطاب ضمان بان يمر ما يطلبونه عبر مجلس النواب، وهو ما رفضته الحكومة السابقة والحالية لأنه يقع خارج إرادتهما ولا يمكن ضمانه.

إن أرادت الحكومة ان يمر مشروع قانون ضريبة الدخل، فان عليها ألا تزيد الأعباء على الشرائح محدودة الدخل والا تتهور في مجاراة وصفات الصندوق التي لا تجلب الا الخراب والفوضى، وان تعرف الحكومة بان أي تعديل على قانون ضريبة الدخل هدفه الإصلاح وليس زيادة الجباية، بل والاهم مكافحة التهرب الضريبي ويجب ان يقابله تخفيض لضريبة المبيعات.

إن برامج صندوق النقد لا يمكن أن تكون بديلا عن الخطط الوطنية لإصلاح الاقتصاد الأردني من اجل زيادة النمو ورفع مستوى المعيشة للناس.

مقالات ذات صلة