استقالة الرئيس!.. محمد أبو رمان

اضطرت مصادر رسمية إلى القيام بنفي خبر تلويح رئيس الوزراء، د. عمر الرزاز، بالاستقالة، لحجم وكثافة تناقل الخبر بين المواقع الإخبارية وصفحات التواصل الاجتماعي، حتى بدا الخبر لشريحة اجتماعية واسعة وكأنّه مؤكّد، بينما موقف الرئيس، كما تتحدث الأوساط القريبة منه، هو عكس ذلك تماماً.

الأخبار تقول إنّ الرئيس مُصرّ على القيام بمهمة عبور هذا المنعطف الحادّ، واتخاذ القرارات والسياسات الكفيلة بإبعاد الاقتصاد الوطني عن حافّة الهاوية، مالياً واقتصادياً، ما ينعكس حالياً في المفاوضات الشاقّة والمرهقة مع صندوق النقد الدولي.

لغاية فجر أمس، كانت المفاوضات (عبر الاتصالات عن بعد) متواصلة مع الصندوق، ومن الواضح أنّ هنالك تعنّتاً كبيراً من قبل المسؤولين فيه تجاه نقاط محددة، مثل توسيع قاعدة دافعي الضريبة وحجم الإعفاءات الضريبية، وبنود أخرى شكّلت خلافات حادّة بين الطرفين، وبدت المفاوضات وكأنّها معركة حقيقية.

لكن دعونا نذهب إلى السيناريو الآخر: ماذا بعد إصرار صندوق النقد الدولي على موقفه؟ هل سيستقيل الرئيس متجنباً مثل هذا القرار ليحافظ على شعبيته؟ كما يقول خصوم الحكومة؟!

الجواب، من أوساط حكومية، بأنّ الرئيس لن يستقيل، ولم يلوّح بالاستقالة، ويدرك تماماً أنّ مثل هذا التصرف هو مراهقة سياسية، وتلاعب باستقرار الدولة. على النقيض من ذلك تثبت جولات المفاوضات الدقيقة مع الصندوق إصرار الحكومة على الوصول إلى نقاط معينة، وتحجيم كلفة الأضرار المتوقعة، والتخفيف منها.

ما هي النتائج لعدم توقيع الصندوق على الإجراءات الحكومية؟

هنالك قيمة ديون مستحقة على الحكومة في بداية العام المقبل بقدر 6 مليارات دولار، وهنالك مساعدات يابانية وأميركية، وحتى ضمانات القروض الخليجية، جميعها معلّقة ومشروطة بكلمة صندوق النقد الدولي، مع معدل مرتفع قياسي للبطالة وتراجع ملحوظ في معدل النمو المحلي، خلال الفترة الماضية من العام، هذه مؤشرات مقلقة جداً على صعيد الاقتصاد الوطني.

الخيارات البديلة المطروحة من قبل خبراء اقتصاديين قد تكون ممتازة على المديين المتوسط والبعيد، كما يقول اقتصاديون مقربون من الحكومة، لكنّنا نتحدث عن ثلاثة أشهر وفترة قصيرة كلها معلّقة على كلمة الصندوق.

لذلك يبقى الرهان لدى الحكومة على تحصيل أفضل الممكن في المفاوضات الحالية مع الصندوق، وأولوية حماية الطبقات الفقيرة، وتحميل الطبقات الغنية عبئاً إضافياً لحماية الآخرين، والأهم من ذلك كلّه أن تكون عملية الإصلاح الضريبي جزءاً من برنامج متكامل مرتبط ببرنامج عملي لمكافحة البطالة وتحسين مستوى ونوعية الخدمات والتأكيد على قيم دولة القانون ومكافحة الفساد، وبناء حوار وطني حول معالم الإصلاح السياسي المطلوبة، بمعنى أن الحكومة تريد أن يكون ذلك ضمن خريطة طريق واضحة للمواطنين.

هكذا تفكّر الحكومة، وهذه هي الحال مع صندوق النقد الدولي، وتلك هي الهواجس والتحديات، لكن سواء كنّا مع الحكومة، أو ضدها، أو في موقع الحياد والمراقبة؛ فمن المهم أن ندرك بأنّ المزاج الشعبي العام سيئ ومحبَط وقلق. لكن الأخطر من ذلك هو فشل الحكومة في بناء الأمل وطمأنة المواطنين بوجود ضوء حقيقي في نهاية النفق الحالي، فإنّ المزاج سيكون أكثر سوءاً، والأوضاع أشد صعوبة.

عبور هذه اللحظة المفصلية يكمن في المصارحة والمكاشفة والحوار بين الحكومة وبين الشارع، ووضعه أمام الوقائع والحقائق، والاستماع إلى صوته وهواجسه، فانحدار الثقة مع الحكومات السابقة كان مرتبطاً بفلسفة عبقرية لدى مسؤولين تقوم على تجاهل الشارع والمواطنين، وهو ما يبدو أنّ الحكومة الحالية تعمل على تجنّبه.

مقالات ذات صلة