العدالة في التأمين الإلزامي للمركبات 

المحامي يزن جميل محادين

يظن كل من يتعرض لحادث سير سواء كان متضررا او متسببا بان اسوأ تبعات الحادث قد تجلَت امامه من خلال الاضرار المباشرة التي لمسها عند وقوع الحادث ، و لكنه يكتشف بعد وقت ليس بالطويل بأن الاضرار ممتدة و تهدد استقرار حياة أشخاص  لم يكونوا متواجدين في موقع الحادث .

 ففي حين يسعى المشرع دائماً للوصول الى أقصى إمكانيات العدالة في أي تشريع يفرضه كما يسعى الى الموازنة بين كافة الأطراف ، وكون العدالة الكاملة في السماء فمن الطبيعي أن يبقى هناك بعض الشوائب والأجحاف بحق أحد الأطراف في تنظيم أي علاقة ، ولكن في حالة نظام التأمين الإلزامي للمركبات رقم (12) لسنة (2010) وبالأخص في ما يتعلق بقيمة التعويض والقسط المقابل فإن المشرع قد ظلم جميع الأطراف في هذه العلاقة القانونية ولم يحقق الحماية لأي منهم وجعلهم عرضه للعوز والحبس والدمار الأسري وأقصد هنا بالأطراف كل من المتسبب بالحادث والمتضرر وشركة التأمين.

ولتوضيح ما سبق نطرح مثالاً معتاداً وليس بالنادر ، وهو تعرض رب أسرة ثلاثيني متزوج ولديه ابناء الى حادث سير نتج عنه عجز كلي دائم لديه يمنعه من العمل والأنتاج ويحتاج الى معالجات طبية طيلة المدة المتبقية من حياته و دخله الشهري (500) دينار،إن التعويض الذي سيقدر له في المحاكم سيتجاوز مبلغ مائة و عشرون الف دينار عن الضرر المادي و المعنوي وقد تتجاوز تكاليف علاجه ثلاثون الف دينار والمجموع هو مائة وخمسون الف دينار ، تلتزم شركة التأمين بموجب نظام التامين بسداد ما قيمته واحد وثلاثون الفاً واربعمائة دينار والباقي يتم الزام المتسبب بالحادث به، و هو بحدود تسعون الف دينار ، ولن ادخل في تفاصيل طريقة الأحتساب كونها تعتمد على العمر والدخل والحالة الأجتماعية وليست موضوع بحث في هذا المقال                                                 

يلاحظ القاريء الكريم بأن أول الأسر التي ستنهار هي أسرة المتسبب في الحادث والذي سيتم الزامه بمبلغ يفوق قدرة الغالبية العظمى من الشعب الأردني وسيبيع منزل اسرته إن وجد ومن ثم يلجأ الى الهروب والتخفي أو التعرض للحبس المدني نتيجة لعدم سداده للمبالغ الملزم بها ، و من الجلى ما ستتعرض له عائلته بعد ذلك من ضياع وتردي بغياب المعيل والمرشد ،  وإما الأسرة التي ستتعرض لذات المصير فهي أسرة المتضررة حيث سيصبح لديهم فرد مريض يحتاج الى رعاية تحتاج الى تكاليف وجهد وهذا الشخص الذي كان معيلاً  اصبح عبئاً على الأسرة، أضف الى ذلك انقطاع الدخل المادي المرجو منه ،وكذلك من المعتاد أن المتسبب لن يستطيع سداد المبالغ المترتبة عليه لأسرة المتضرر وبالتالي تصبح الأسرتين في عوز وضيق وضنك عيش .

وقد يتبادر الى الذهن أن شركة التأمين هي المستفيد في الحالة المشار إليها ،ولكن على العكس تماماً فيكفي لفت النظر الى أن المبلغ الذي تلزم به شركة التأمين يستلزم لسداده أن تقوم بتأمين ما يقارب خمسمائه مركبة خصوصية  أخرى دون أن تقوم أي من هذه المركبات بالتعرض لأي حادث سير وهذا بالنسبة لحالة واحدة فما بالك بكون وفيات حوادث السير في عام 2019 حسب التقرير السنوي للحوادث المرورية الصادر عن دائرة الأمن العام بلغ (643) وفاة وكذلك (  6062) أصابة بليغة و(10159) أصابة بسيطة  يضاف اليها الخسائر المادية بكلفة مالية وصلت الى (324) مليون دينار ، يضاف الى ذلك الى أن البيانات المالية لمعظم شركات التأمين تظهر خسائر في هذا النوع من انواع التأمين وإذا حالف شركة التأمين الحظ في أي سنة من السنوات فان أي مردود يتآكل مباشرة مع المصاريف الإدارية ليعود ويظهر خسائر لدى هذه الشركات .

 

عدم نجاعة العلاج واضح لجميع الأطراف في هذه العلاقة ، فأسرة المتسبب والمتضرر مدمره وشركة التأمين تخسر فأين الخلل وكيف استطاع المشرع الوصول الى مثل هذا التشريع ؟.

لا شك بأن السبب الأساسي في المعضلة هو وقوع حوادث السير بهذه الكثافة وهو ما يحتاج الى علاج جذري ، ولكن بنفس الوقت فإن نظام التأمين الإلزامي قد أجهز على الأطراف بمعادلة إحتسابه لقيمة التعويض المغطاة تأمينياً والقسط المقابل لوثيقة التأمين على السواء ، فظنا من المشرع التخفيف عن كاهل المواطن جعل قسط التأمين للمركبة الخصوصية على سبيل المثال بحدود (79) دينار يضاف لها طوابع و ضرائب لتصيصبح (92) دينار ، وحتى لا تفلس شركات التأمين من التعويضات الناشئة عن هذا القسط المتواضع جعل الحد الأعلى للتعويض عشرون الف دينار عن الأضرار المادية والمعنوية وسبعة الاف وخمسمائه دينار عن مصاريف العلاج وثلاثه الآف وتسعمائه دينار عن بدل التعطل ولكن النتيجة كانت خسارة لجميع الأطراف ، حيث أن قسط التأمين لا يتعدى اثنان و عشرون قرشاً يومياً لمركبة تزن أطناناً تجوب المملكة بين البشر من أطفال وأباء وأمهات ومعرضة لإجهاض حياة أي منهم في أي لحظه في حين أن وقود هذه المركبة أو رسوم ترخيصها أو حتى سجائر سائقها تكلف أضعاف هذا المبلغ الزهيد يوميا كما أن تأمين مئات المركبات يوميا لا تكفي حتى اجور العاملين في دائرة تامين المركبات لدى أي شركة تأمين.

ان التعويض المحدد بالنظام لا يكفى أحياناً لمصاريف العلاج  لوحدها علماً بأن أي تأمين صحي حكومي أو خاص يستثني حوادث السير من التغطية أمعاناً في تدمير أسر الثكالى والأيتام فما الحل ؟؟ 

 

لا يستطيع أحد اعطاء معادلة متكاملة لحل المشكلة حيث يكمن الحل الاساسي بالحد من حوادث السير ، ولكن نستطيع اقتراح تعديلات تساهم في التخفيف من معاناة الآف الأسر المتضررة وذلك من خلال ما يلي :

1- لا يجوز بأي حال من الأحوال الأبقاء على هذا المبلغ الزهيد المفروض لمقابل قسط تأمين المركبة ، فمن منا يرغب بالإنتقال من الرمثا الى العقبة لا يجوز أن تكلفه الرحلة ستون ديناراً كوقود للمركبة و اثنان و عشرون قرشاً لحماية أرواح وحياة الآخرين على امتداد الوطن ، وبالنتيجة لاحظ أنه إذا تم رفع القسط من اثنان و عشرون قرشاً يومياً الى نصف دينار فقط فمن الممكن إكتواريا أن ترتفع تغطية شركة التأمين الى ما يقارب مائة الف دينار مما يعزز المحافظة على جميع أطراف العلاقة عند وقوع الحادث .

2- مما لا شك فيه أن السبب الرئيس لهذه الكوارث هو الحوادث الناشئة عن مخالفات السير وبالتالي فأن الفئة التي تخالف قواعد السير على الطرقات يجب أن تساهم في معالجة المشكلة التي صنعتها ومن هنا من الممكن فرض نسبة من قيمة المخالفات الحالية أو قيمة أضافية يتم استخدامها لرفد التعويضات عن حوادث السير وبالأخص البشرية منها علما بأن هناك نسبة اضافية مطبقة حاليا و لكنها مرتبطة فقط بالتسبب في وقوع حوادث و بالتالي يبقى تأثيرها محدود.

3- سيكون من المعتبر لو كانت قيمة النسبة المفروضة على المخالفات رافداً للتأمينات الصحية الحكومية والخاصة وربطها مع المستشفيات وبهذا الشكل ندعم جميع الأطراف ، فالمتضرر لن تتعاظم مشكلته بعد الحادث بالبحث عن دائن يقرضه ثمن العلاج حتى يحافظ على حياته ، والمتسبب لن يعاني المرارة المادية والنفسية في البحث عن ذات الدائن لسداد ثمن المعالجات لمن تسبب هو في عجزه ومرضه وتعطله، وشركات التأمين سيخف عن كاهلها على الأقل مصاريف العلاج مما يسمح برفع قيمة التعويضات دون تعرض هذه الشركات التي تحوي ابنائنا كموظفين لديها الى الأفلاس والخروج من سوق العمل .

4- أولاً وأخيراً ودائماً تعزيز المنظومة التي تحد من حوادث السير وحيث أن التجربة خير برهان فأن أكثر ما ينجح هو حجز المركبة ورخصة القيادة لسائق أي مركبة تقوم بمخالفة قواعد السير بشكل يعرض حياة الآخرين للخطر .

 

في الأردن كما هو الحال في العديد من دول العالم القرار المتعلق بالأقتراحات المشار إليها هو قرار سياسي وليس تقني ، كونه يتعلق بفرض تبعات مالية على عدة أطراف، وبالتالي لا نستطيع القاء اللوم على وزارة الصناعة والتجارة أوالأقسام المختصة فيها بمتابعة التشريعات التأمينية على عدم السير قدماً في مثل هذه المقترحات أو غيرها و ذلك لعدم القدرة على فرض مثل هذه التعديلات دون إرادة المظله السياسية متمثلة في الحكومة ومجلس النواب الذين يقع على عاتقهم حل هذه المشكلة الوطنية 

مقالات ذات صلة