يا لها من نهاية سعيدة!.. فهد الخيطان
ستمر الحادثة، أراهنكم على ذلك، ورئيس الجامعة الذي طرد من مكتبه اليوم لن يعود إليه يوما. سطوة القوى الاجتماعية أشد فعلا من سلطة القانون. لسنا على علم بما اقترف رئيس جامعة آل البيت من أخطاء كي ينال هذه المعاملة المهينة من موظفي وأساتذة الجامعة.
“آل البيت” أسسها العالم الأردني الجليل محمد عدنان البخيت، لتكون منارة أردنية وعربية وإسلامية، تفتح آفاقا في مشروع نهضوي جامع لأبناء الأمة وتستقطب العلماء والباحثين والطلبة من كل الدول العربية والإسلامية. انظروا إلى ما انتهت إليه؛ مؤسسة بيروقراطية مثقلة بالديون والموظفين وطلاب التخصصات الراكدة، وميدان للمساومات الجهوية والمناطقية مثل سائر الجامعات الحكومية في الأطراف.
ليست المرة الأولى التي يقتحم فيها العاملون مكتب رئيس الجامعة، فقد سبق لجامعات حكومية أن شهدت الموقف ذاته، وتعرض أكاديميون للإهانات نفسها. كان هذا مسارا متوقعا لنهج تفريخ الجامعات وفق أسس مناطقية، وإخضاعها لمنطق العصبية السائد في الإدارة العامة، وطمس الطابع الأكاديمي عنها لحساب منطق التنفيعات والتعيينات، وخدمة المصالح الحكومية الضيقة.
التجربة تراكم فشلا فوق آخر، وما من أحد يرغب بالالتفات إلى الحقائق المتراكمة من قصص الفشل، فكل الحكومات تمضي على الطريق نفسه ولا ترغب بمواجهة الحال المتردي لجامعات الأطراف الحكومية.
الديون تتراكم على معظمها، حتى غدا بعضها عاجزا عن تأمين رواتب مئات الموظفين نهاية كل شهر. رؤساء الجامعات “يشحدون” القروض من البنوك. ومع مرور الوقت أصبحت بيئات طاردة للطلاب، رغم الحوافز والامتيازات المقدمة.
جميع جامعات الأطراف سقطت في فخ المجتمع المحلي وثقافته، بعد أن كان المأمول منها تغيير الواقع في المحافظات، ورفع سوية المجتمعات هناك. الموظفون والطلاب في الجامعة من أبناء المحافظة ذاتها، ولاحقا الأساتذة باستثناءات محدودة.
ما حصل عمليا هو إعادة تصنيع المجتمع المحلي على شكل مؤسسة أكاديمية، صارت مع مرور الوقت واحدة من الدوائر الحكومية التي توظف العاطلين عن العمل ليس إلا.
جامعات هي مجرد خطوط باصات، ومكاتب توظيف ونقليات، وجمع من الطلبة لا هم لهم سوى الحصول على الشهادة بعد أربع سنوات للالتحاق بسوق البطالة الكبير.
معظم الجامعات الحكومية في المحافظات تخلت عن الأهداف الأولى التي تأسست من أجلها، وتنازلت عن مبدأ التخصص، وأصبحت مفتوحة لكل التخصصات.
وفي كل مرة حاولت فيها الإدارات استعادة الدور والهدف كانت تجابه بنقص الموارد، فكل موازناتها مكرسة لخدمة الرواتب، فمن أين تأتي بالأموال لتجهيز مختبرات علمية والإنفاق على الابتعاث الخارجي، وضم الأساتذة المميزين.
وابتليت الجامعات برئاسات لا ترحم، همها الجاه والوجاهة، وتحليق المنتفعين حولها، وتكريس الزبائنية والمحسوبية، وإرضاء المتنفذين في المحافظة، وهكذا تكالبت كل الأطراف على الجامعات حتى غدت على ما هي عليه اليوم؛ مرابع للنفوذ العشائري والجهوي، ومناطق سيطرة وتحكم لقوى اجتماعية وضعت الجامعة في خدمة مصالحها.
سيرحل رئيس جامعة آل البيت، وستتحول الحادثة لمثال يقتدى في الجامعات الأخرى، فلا فرق اليوم بين جامعة ومصنع بلاستيك، يثور عماله في وجه مديرهم.