تخريب الأدب والثقافة.. موفق ملكاوي

حتى اليوم، ما نزال نفشل في وضع معايير حقيقية لجودة الكتابة الأدبية، لذلك فما إن نحاول تناولها واستيضاحها، تنطلق أحكامنا من باب الإخوانيات والشللية والجهل “وأعراض” أخرى لا تمت للأدب والنقد بصلة.

مؤخراً، كتب الصديق حكمت النوايسة على “فيسبوك”، يقول: “قرأت نصّاً تافهاً، وسبعين تعليقاً جميلاً”. قبلها كانت الصديقة رحاب أبو هوشر تكتب قائلة: “أقرأ أحيانا مقالات نقدية ثرية وعميقة، حول أعمال أدبية أو فنية فقيرة ورديئة”!

الإدراجان يختصران كثيراً مما تعاني منه الساحة الأدبية اليوم، ليس على الصعيد المحلي فقط، وإنما على الصعيد العربي أيضاً، فانحطاط الكتابة، ومحاولات تزويقها وتزويرها بالنقد الكاذب سمة عامة، وتكاد تكون عنواناً ملائما لزمن الرداءة الذي نعيشه.

قد يجادل البعض بأن الصورة لا يمكن لها أن تكون قاتمة إلى هذا المدى، وأن هناك أدباء محليين وعرباً يأخذون الكتابة الإبداعية إلى مستويات فنية راقية تحترم عقل القارئ، وترفع من سوية الأدب العربي بشكل عام.

هذا كلام صحيح، ولكن الحكم في الأساس يكون دائماً على الشائع والأعم، وليس على الاستثناء، فحتى في عصور الانحطاط الأدبي المعروفة عربياً، والتي بدأت مع عصر المماليك وامتدت إلى عصر الدولة العثمانية، كان هناك أدباء متميزون قدموا اقتراحاتهم الجمالية والفنية، واستطاعوا أن يحلقوا في الإبداع، ولكن لا يمكن أن يكون أولئك الاستثناء هم عنوان تلك العصور التي أخذت سمة الخفة وعدم الجدية والسطحية في الإبداع، قبل أن يأتي القرنان التاسع عشر والعشرون، ويعيد مجددون الى الأدب والشعر رونقه ومكانته.

الانحطاط الأدبي والثقافي والفكري، أيضاً، لا يمارسه العوام على مساحات مواقع التواصل الاجتماعي فقط، بل يمتد، كذلك، إلى المؤسسات الثقافية والأكاديمية، فاحتفاء تلك المؤسسات بأسماء ضعيفة في مجالات الإبداع يؤثر على أحكامنا بأهمية تلك الأسماء، ويؤسس لمفاسد كبيرة في عالم الكتابة. أما في إطار الجوائز العربية، فهي الأخرى لم تستطع حتى اليوم التأسيس لمعايير فنية للنظر في المشاركات، وأيضاً تغيب عنها المعايير الأخلاقية التي تتطلب تجرداً من المحاباة والشخصنة والشللية، وتحكيم النزاهة في النظر إلى الأعمال.

وإذا كنا نتحدث عن النزاهة والعدالة، فينبغي لنا أن نأخذ تجربة جائزة “مان بوكر” العالمية مؤخرا؛ حيث أصدرت قائمتها الطويلة للروايات المرشحة للعام الحالي، وصدمت المتابعين ودور النشر ومجتمع الإبداع، بإدراجها رواية مصوّرة ضمن القائمة!

رواية “سابرينا” للكاتب الأميركي نيك درنسو، اعتبرت لجنة التحكيم أنها تقدم للقارئ “الخيال الجيد، والدقة، والبساطة، وأسلوب الصور الذي يعبر عن وجهة نظر العالم”.

اتخذت لجنة التحكيم على عاتقها أن تسجل سابقة في تاريخ الجوائز الأدبية، من خلال هذا الأمر، ليس محاباة للكاتب، بل لأنها رأت أن هذه الرواية المصورة هي عمل أدبي متكامل، وتمتلك السمات الفنية الجديدة والرؤية والتأثير، لذلك لم تخف من إيرادها ضمن القائمة، مانحة الكاتب فرصة المنافسة على الجائزة المهمة.

إن كنا نطمح للاستفادة من هذه الحادثة، فيتوجب علينا أن لا نظل دائرين في فلك الأسماء “الكبيرة” المكرسة، وأن نمنح الأصوات الجديدة فرصة التعريف بها، وأن لا نخاف من قول رأي نقدي جيد في أعمالها، وكذلك أن لا نخشى من توجيه النقد إلى “أعمال الكبار الهابطة”. بهذه الطريقة سنعيد إلى النقد رونقه وصدقيته، وسنؤسس لوسط إبداعي خال من النفاق والمحاباة و”تنجيم” من لا يستحقون.

مقالات ذات صلة