قانون الضريبة: الحكومة و”الصندوق”.. د. موسى شتيوي

من أقسى الانتقادات التي وجهت لحكومة الملقي؛ أنها أقرت مشروع قانون الضريبة، وأرسلته لمجلس النواب دون أن تجري الحوارات الضرورية مع الجهات المعنية لأخذ مصالح الجميع بعين الاعتبار في إطار المصلحة الوطنية. لذلك فردة الفعل على مشروع القانون ومُجمل القرارات الاقتصادية كانت قاسية على المستوى الشعبي، ولكن صندوق النقد الدولي كان راضيا عن القانون؛ لأنه ساهم بصياغته، على ما يبدو، وجاء ملبيا لمتطلباته.

لكن الحالة كانت مختلفة مع الحكومة الحالية؛ إذ إنها سحبت القانون وانطلقت بحوارات شاملة بقيادة نائب رئيس الوزراء د. رجائي المعشر. ويدرك المتابعون أو الذين شاركوا بالحوارات أن هناك حالة أقرب ما تكون إلى إعادة تقييم شاملة للقانون ومبادئه، لا بل أيضا كان من الواضح أن هناك نقاشاً حول دور القانون في إعادة صياغة العلاقة بين الحكومة والناس من منظور الحقوق والواجبات، ودور القانون في إعادة توزيع الدخل وتحسين الخدمات وغيرها.
يبدو أن هذه الحوارات والتحوّل في قراءة القانون ودوره، قد أشاعا أجواء من التفاؤل بأن الحكومة سوف تقدّم مشروعاً للقانون يختلف إلى درجة كبيرة عن القانون السابق، فضلا عن دور مجلس النواب في صياغة القانون بعد إجراء الحوارات والنقاشات مع الأطراف ذات العلاقة.
لقد رشحت في الأيام الماضية بعض المعلومات شبه  المؤكدة أن صندوق النقد الدولي غير راضٍ عن بعض بنود مسودة القانون الجديد، وأنه أكثر ميلاً للصيغة التي قدمتها حكومة الملقي.
هذه الحالة، التي يُصر بها الصندوق على قرارات مالية محددة، ليست جديدة وليست حكراً على الأردن، وعانت منها حتى بعض الدول الأوروبية، مثل: اليونان وإسبانيا في السنوات الماضية.
هذه الحالة، التي نواجهها اليوم هي ليست قدراً، وإنما جاءت نتيجة للسياسات الاقتصادية المتراكمة من جانب الحكومات المتعاقبة التي لم تخرج من فلك صندوق النقد الدولي، ولم تقدم سياسات إضافية لما يتطلبه “الصندوق”.
نظرة سريعة على نتائج تطبيق برامج الصندوق منذ بداية التسعينيات وحتى الآن، وكما بينت الدراسة التي نشرها مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية، تشير إلى أن النتائج الاقتصادية، كالنمو الاقتصادي، كانت متواضعة جداً لا بل لم يكن لها في بعض السنوات، أثر يُذكر بالرغم من شهادة “الصندوق” بأن الأردن نفّذ هذه البرامج كما طلب منه تقريباً.
الشيء الوحيد والرئيس الذي حققته هذه البرامج؛ هو إعادة جدولة الديون، والسماح للأردن بالاقتراض أكثر ، كل ذلك جاء على حساب النمو والتنمية الاقتصادية الفعلية.
الحكومة ملتزمة باتفاقيات وتفاهمات مع “الصندوق” من جانب الحكومات السابقة، ومن ثم لا تستطيع أن تدير ظهرها للـ “صندوق” لأنها بحاجة للحصول على قروض جديدة، ومنح مرتبطة كلها بموافقة “الصندوق”.
“الصندوق” يُريد من الحكومة  تبني قانون ضريبة للدخل يوفر لها مبلغاً بحدود 300 مليون دينار سنوياً، جزءٌ منه يتحصل من توسيع الوعاء الضريبي، والجزء الآخر من خلال ضبط التهرب الضريبي، من دون التخلي عن هذا الهدف؛ لأنه يجب أن يكون هدفاً أردنياً- ضبط التهرب الضريبي وتوسيع الوعاء الضريبي-  ويجب أن يعطى المجال للحكومة لتحديد الطريقة الفضلى للوصول إليه مع المحافظة على الأهداف الأخرى التي تسعى الحكومة لتحقيقها، وكما ورد في كتاب التكليف السامي لحكومة الرزاز.
السؤل هو : كيف ستتعامل الحكومة الآن مع صندوق النقد الدولي المُصر على صيغة معينة للقانون، ومع الموقف الشعبي الرافض للصيغة القديمة للقانون. والحكومة أيضاً – وبالتعاون مع مجلس النواب- لا تريد أن تفوّت الفرصة في إقرار قانون للضريبة يتجاوز البعد المالي للأبعاد الاجتماعية والاقتصادية ذات المردود الإيجابي على المدى البعيد.
أدعو الحكومة للتفكير خارج متطلبات “الصندوق” قليلاً، وتدعو إلى جلسة فنية يشارك بها خبراء “الصندوق” وخبراء أردنيون ساهموا بالدراسات الخاصة بالضريبة لمناقشة القانون من الناحيتين: العلمية والفنية بدلاً من الاكتفاء بمناقشة البيروقراطية لهؤلاء الخبراء.
كذلك، أقترح على الحكومة والبرلمان إصدار عفو ضريبي عن المخالفين والمتخلفين عن دفع الضرائب تطال الغرامات والعوائد، وليست المبالغ الأصلية المستحقة، وأخيراً أن تقوم الحكومة بقوننة الإعفاءات الضريبية الواقعة ضمن صلاحيات مجلس الوزراء.

مقالات ذات صلة