7 أكتوبر يدخل التاريخ العسكري العالمي

حسين مجدوبي

حرير- حجم ونوعية الهجوم الذي نفذه الفلسطينيون ضد الجيش الإسرائيلي يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 يحمل عنوانا عريضا، هو «المنعطف الجيوسياسي الهائل»، سواء عسكريا أو سياسيا، وإن كان الجانب العسكري هو البارز حتى الآن، نظرا للانهيار المؤقت لجيش مثل الجيش الإسرائيلي أمام مقاتلين بإمكانيات محدودة، فماذا سيحدث له لو واجه جيشا مثل إيران أو حركة حزب الله؟

وهكذا، يتعامل المحللون العسكريون والاستخبارات باندهاش مع ثلاثة أسئلة، كيف نجح الفلسطينيون في خداع كل الاستخبارات العالمية في الشرق الأوسط؟ كيف نجح الفلسطينيون في بناء ترسانة ضخمة من الصواريخ؟ لماذا فشلت القبة الحديدية في اعتراض الصواريخ الفلسطينية؟ رغم اختلاف السياقات التاريخية والسياسية، والأطراف الموجودة، ومن دون انسياق وراء حماس اللحظة، من الناحية التقنية لا يمكن وصف هذا الهجوم في جانبه السري سوى بنورماندي الجديدة إبان الحرب العالمية الثانية، أو مانهاتن الخاص بصنع القنبلة النووية، لسببين رئيسيين، الأول وهو السرية التي تمت فيها العملية، والثاني النتائج التي ستترتب عنها.

وعلاقة بالسبب الأول، لا يمكن لأي ضابط استخبارات، سواء كان متخصصا في التحليل أو العمل الميداني المباشر، أن يصّدق أنه في عالم الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي وبرامج المحادثة مثل، سينيال يمكن إخفاء سر مثل الهجوم الفلسطيني صباح 7 أكتوبر 2023، لاسيما إذا تعلق الأمر باستخبارات نسجت حولها أساطير مثل، الموساد والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، ثم نجاح الموساد والشاباك، في تجنيد الكثير من الفلسطينيين داخليا وخارجيا.

يمكن مراجعة الجانب السري في مختلف العمليات العسكرية منذ القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا، للمقارنة التقنية مع هجوم الفلسطينيين، ولا يمكن العثور إلا على عملية نورماندي التي نفذها الحلفاء ضد ألمانيا، خلال الحرب العالمية الثانية، حيث تم تنفيذ الهجوم في سرية تامة بعد خداع ألمانيا.

في الوقت ذاته، يمكن العثور على مثال آخر بشأن صناعة الصواريخ، وهو برنامج مانهاتن لصنع القنبلة النووية، حيث عمل في المشروع آلاف الناس، كل مجموعة لم تكن تعرف عمل الأخرى، إلا بالنسبة لقلة قليلة من المسؤولين، بل جرى استثناء حتى نائب الرئيس الأمريكي من معرفة السر.

هكذا، كانت كل مجموعة فلسطينية تقوم بالتدريب على اختراق الجدار والمواجهة، وترفع من مستوى صناعة الصواريخ، من دون أن تدرك أنها جزء من عملية شاملة سيشارك فيها الآلاف، وستشكل سابقة في التاريخ العسكري العالم، علاقة بالنتائج التي ستترتب عنها، فهي نوعان الأول، وهو أن الفلسطينيين سيفرضون سيناريو مشابها لما فرضه حزب الله على إسرائيل بعد حرب يوليو/تموز 2006، حيث لم تعد إسرائيل تشن هجمات جديدة، ولم تعد تلوح بالحرب، بل إنها لم تعد حتى تهدد باغتيال شخصيات، سواء لبنانية أو أجنبية في التراب اللبناني.

والنتيجة الثانية هي أن ما وقع يوم 7 أكتوبر سيقود الولايات المتحدة للضغط أكبر وأكثر على إسرائيل، لكي تفكر في أن الحل هو إقامة دولتين، واحدة إسرائيلية وأخرى فلسطينية، أو الرهان على دولة واحدة تجمع الفلسطينيين والإسرائيليين. ومن ضمن النتائج الأخرى هو رهان إسرائيل على ارتكاب جرائم في حق المدنيين الفلسطينيين من تقتيل وتجويع لاستعادة مفهوم الردع، الذي تآكل، لكن هذه السياسة ستحمل انعكاسات سلبية وخطيرة. ويبقى السؤال العريض بعد 7 أكتوبر هو: هل إسرائيل ضعيفة؟ أم أنه وقع تغيير في مفهوم الحرب والتكتيك ونوعية سلاح الطرف الآخر، أي اكتساب الفلسطينيين القدرة على المواجهة وأصبحوا ندا للإسرائيليين؟ لا تعتبر إسرائيل ضعيفة، بل لديها جيش قوي ولديها استخبارات قوية، لكن ما يحدث هو أن الطرف الآخر الذي تعتبره عدوا، سواء تعلق الأمر بالفلسطينيين، أم بإيران أم بحزب الله، نجح في تطوير قدراته العسكرية والاستخباراتية بشكل مذهل خلال العقدين الأخيرين، وجعل هذه القوة مكبلة، وعالجنا هذه النقطة في مقال سابق في هذا الركن بعنوان («إسرائيل قوة مرعبة أصبحت مكبلة» في9 أغسطس/آب 2021). إجمالا ما حدث هو:

*أولا، نهج الفلسطينيون وحزب الله وإيران سياسة تطوير الصواريخ التي جعلت التفوق الجوي الإسرائيلي بمقاتلات من نصف أف 15 وأف 35 غير حاسم، وجعلت القبة الحديدية قبة رخوة، ومن دون جدوى أمام آلاف الصواريخ الرخيصة الثمن والمرتفعة الفعالية.

*ثانيا، ما حصل وهو أن أسطورة التجسس الإلكتروني والرقمي الإسرائيلي مثل بيغاسوس وأخواته لم يكن فعالا سوى في التجسس على الناشطين العرب من إعلاميين وحقوقيين، بل حتى زرع ميكروفونات في منازلهم مثل المطابخ في أوروبا، ولم يكن فعالا في مواجهة الأنظمة البديلة التي تقف وراءها دول مثل إيران والصين وروسيا. ومن ضمن عناصر نجاح الفلسطينيين يوم 7 أكتوبر، هو الحرب السيبرانية المضادة، التي أبطلت أنظمة التجسس والإنذار والمراقبة الإسرائيلية، بل شلّت نسبيا عمل بعض القواعد الجوية.

*ثالثا، ما حصل وهو أن الطرف الآخر اكتسب تجربة قتالية كانت مقتصرة على الغرب وإسرائيل والدول الكبرى. إذ لم يخفِ عدد من كبار العسكريين، بمن فيهم الأمريكيون الإعجاب بطريقة هجوم الفلسطينيين من خلال عشرات الكوماندوهات بشكل تجاوز تجارب القوات الخاصة لجيوش مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا، مع فارق أن الفلسطينيين لهم إمكانيات محدودة. وأصبحت طريقة الهجوم منذ الآن تدرس في الكليات الحربية، ويكفي الدخول إلى المنتديات العسكرية لمعرفة الاهتمام بهذا الجانب العسكري.

في غضون ذلك، سارعت الولايات إلى إرسال حاملة طائرات فورد بسفنها الحربية والغواصات النووية المرافقة لها، تحسبا لانتشار رقعة الحرب، لأن دخول حزب الله، الحرب سيعني انهيار إسرائيل. وعليه، من كان يعتقد أن إسرائيل التي عرضت مساعدة أنظمة عربية لحمايتها عسكريا، تطلب المساعدة الأمريكية في مواجهة حركة وليس جيشا وبعد 24 ساعة من المواجهة فقط.

أحداث 7 أكتوبر أكدت تغييرا عميقا في ثقافة الحرب بدأت مع حرب يوليو 2006، وأكدت تغييرا عميقا في العلاقات الدولية، إذ أن مجلس الأمن لم يتفق على إدانة الفلسطينيين بسبب الهجوم.

مقالات ذات صلة