الأحزاب ومستقبل الأردن

سائد كراجة

حرير- أهجس أن بعض شخصيات الطبقة السياسية في الأردن تتمنى عدم نجاح التجربة الحزبية، لا بل أن بعضهم يراهن على فشلها، ويسوق علنا أو سراً الأسباب الموجبة لهذا الرهان. ومنهم من يعتبر أن 41 نائبا في البرلمان المقبل هي «كوتا» غير عادلة، وأنه كان يجب التدرج في التدرج! أما إن كان وراء هذا الموقف اسباب شخصية أم موضوعية فهذا بحث آخر!

ولكن ماذا نقصد بنجاح التجربة الحزبية؟! فوصول 41 نائبا للبرلمان القادم حدث مؤكد بموجب قانون الانتخاب النافذ، أما إذا تعلق الأمر بأداء البرلمان المقبل، فيعتمد ذلك على الأحزاب التي ستصل، والأرجح وصول الأحزاب المحافظة والإسلامية. وهذه الأحزاب وسندا للبرامج المعلنة منها هي أحزاب إصلاحية تحتاج الزمن والأهم تحتاج الموارد لتنفيذ برامجها.

خذ على سبيل المثال إصلاح التعليم ومعالجة فقر الماء! ومعالجة مسألة الفاقد والمسروق من الماء! هذا أمر يحتاج إلى موارد وموقف حكومي صارم، وإضافة إلى ذلك، يُعتقد أن ضغط متطلب إدامة الرواتب سيكون العبء الأكبر على عاتق أي حكومة ولو كانت حكومة حزبية، ومن هذا المنطلق فإن برامجها المعلنة سترتطم بحقيقة الحاجة للتمويل أو الحاجة إلى قرارات تتعارض مع ضرورة إدامة مؤسسات الدولة وأهمية الإصلاح!

نجاح التجربة الحزبية في تحقيق انتقال نوعي في الأداء الحكومي يتطلب تغيير نهج حكومي في الإدارة وفي طريقة استغلال الموارد وبناء مشاريع تحتية تنهض بالصناعة والتجارة والزراعة وتفكك الاحتكارات، بالإضافة إلى إنهاء ملفات المشاريع التي تلحق خسائر متراكمة بالاقتصاد وترهق الميزانية.

خبرة الأحزاب المرشحة للوصول للبرلمان أو الحكومة البرلمانية إن كانت محافظة أو إسلامية تنقسم بين الموالاة وبين المعارضة أما كخبرة في إدارة الحكومات؛ فإنها تكاد تكون معدومة!

يشير كل من المشهد والواقع على أن تأثير الأحزاب في الحكومة أو البرلمان المقبل سيكون طفيفا، ولكن نجاح التجربة الحزبية لن تكون في وصولها للبرلمان فقط، بل ستكون في تشكل الرؤى والأفكار الحزبية في المجتمع ذاته وتحفيز بناء المجتمع فكريا، فنقوم بإعادة بناء مجموعة قيم فقدناها، منها قيم إتقان العمل وأهمية حرفية أداء القطاع الخاص لنعمل على الخروج من مجتمع الاستهلاك إلى مجتمع الإنتاج، وهذا يحتاج إلى أفكار شبابية مبتكرة وخبرات نوعية مستحدثة.

نحن مجتمع في مرحلة تحول، وفي هذه المرحلة يتمثل عمل الأحزاب الفعلي في المشاركة الشعبية في عملية التحول والرجوع عن قيم الاستهلاك والتبعية الاقتصادية والسياسية، وهذه أهداف لا تتحق بمجرد المناداة بها في بيان حزبي، بل بإيجاد طرق وشخصيات وبرامج مبتكرة عبر الحكومات والبرلمان لتحقيق انتقال حقيقي فعلي مرئي نحو المستقبل، ويحتاج هذا أكثر ما يحتاج من مؤسسات الدولة العميقة إلى الانتقال الذهني الصادق من مرحلة التشكيك بالأحزاب التي لها سياقها التاريخي إلى مرحلة الإيمان بدورها في عملية الإصلاح كما وصفها جلالة الملك في أوراقه النقاشية وكما تكرست في توصيات لجنة التحديث السياسي.

الأحزاب، جديدة أو قديمة، محافظة أو تقدمية، تعمل اليوم كلها في بيئة فقيرة «حزبيا»، فأكثر إشكالاتها تقع ليس في اكتشاف طريقة مبدعة لأخذ الأردن نحو المستقبل، بل في من سيكون الاسم الأول في قوائم الانتخابات المقبلة! وهذا هو الواقع، ولا يعالج الواقع جنابك إلا بالمزيد من الإصرار على التجربة الحزبية؛ فإن السيرورة نحو مجتمع سياسي يقوم على روابط المواطنة وسيادة القانون هي ثورة فكرية تجديدية بيضاء يقودها الشعب والأحزابٍ وكافة قطاعات المجتمع المدني بما فيها الدولة العميقة!

مقالات ذات صلة