7 سنوات عجاف مائيا لم تثن الأردن عن دوره الإنساني باستقبال اللاجئين

سبعُ سنوات مرَّتْ على استقبال الأردن لآخر موجة لجوء، انخفض خلالها نصيب الفرد من المياهِ 59 م3، وتعرّض لعجز مائي وصل إلى 350 مليون م3، حسب أرقام رسمية.
البئر الشحيحة، تسقي الاردنيين واللاجئين بالمملكةِ، اذ بلغ عدد السوريين اللاجئين للأردن منذ العام 2011 مليونا ونصف المليون، ليُصبح عدد المعتمدين على صنبور المياه الأردني أكثر من 10 ملايين.
وزارةُ المياهِ والرَّي، كافحت وتكافح لإدارة هذا الملف؛ وتوفير السِّقاية للجميع، ففي العام 2017 بلغ إجمالي حجم السقاية المطلوب 1053 مليون م3 بعجز بلغ 350 مليونَ م3، وسيتعمق في العام الحالي ليرتفع الى 373 مليون م3 بسبب الزيادة السكانية والفقر المائي، بحسب أرقام الوزارة، توضح أن الحاجة لمياه الشرب العام الحالي تقدر بـ470 مليون م3، 280 مليونا منها لموازنة الصَّيف فقط.
كما تراجعت حصة الفرد المائية بعد موجات اللجوء من 147 م3 سنويا الى 90 م3 بانخفاض بلغ 59 م3، وشهد الطلب على المياه ارتفاعا لافتا، خصوصا في الشمال ليصل الى 40 %، في بلد يقل معدل الهطول المطري على 97 % من مساحتها عن 200 ملم سنويا، يتبخر منها اكثر من 92 %، و8 % فقط تتوزع بشكل مياهٍ سطحيةٍ وجوفية.
“ما يقوم به الأردن معجزة”؛ هذا ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، والذي شغل منصب المفوض السامي لشؤون اللاجئين في العام 2014، في وصفه لجهود إدارة الملف المائي، لكن توفيرَ المياهِ للاجئين السوريين معجزة يومية.
العجزُ المائيُ في الأردنِ له أسبابه العديدةُ، بِحَسَبِ دراسات علمية أجرتها الوزارة، من بينِها قلةُ الأمطارِ في ظل مناخٍ صحراوي، ومياهٍ سطحيةٍ شحيحة، واستنزافِ للمياهِ الجوفيةِ، والمبالغة في الاستهلاك، والزيادة المطردة والمفاجئةٍ في عددِ السكان.
ولمواجهةِ هذا التحدي؛ حفرت الوزارة آبارا جديدة وطورت المصادر المتاحة، ورفعت طاقةِ تخرينِ السدودِ، ومواجهة شكاوى انقطاع المياه عن بعض المناطق، بموازاة خطط مستقبلية لمواجهة الطلب المتزايد.
مساعد الأمين العام للوزارة الدكتور عدنان الزعبي؛ يشير لمشاريع بمليارات الدنانير، تتضمن بناءُ سدود جديدة بحجم تخزين يبلغ 400 مليون م3، كسد الوالةِ والفيدان ورُجمِ بن حمَّاد والزرقاء ماعين، وتعليةِ سد الوالةِ، بالإضافة لمشاريعِ الحصادِ المائيِ، وعلى المدى البعيد ما يزال الأمل قائما لتهيئةِ المُناخَاتِ لتنفيذِ مشروعِ البحرين، كما أعدت الوزارة خطة تصفها بـ”المُحْكَمَة”، تتضمن صيانةٍ وتأهيلِ الشَّبكاتِ والعداداتِ، وتوعيةِ المواطن بحمايةِ المياهِ والمحافظةِ عليها، ومواجهةِ الاستخراجِ غيرِ المشروعِ للمياهِ وحفرِ الآبارِ.
حتى المياه العادمة؛ قررت الوزارةُ الاستفادةَ منها في الرَّي، بعد معالجتها كما يقول الزعبي،  لتخفيف الضغط عن المياه الصالحة للشرب والاستخدامات المنزلية.
دراسةٌ دوليةٌ صادرة عن معهد كارينغي في الشرق الأوسط أعدتها الكساندرا فرانسيس العام 2015، تؤكدُ عجزَ الأردنِ مائيا بعد أربع سنوات من موجة اللجوء الأخيرة، أشارت إلى أن “الأردنُ ثالثَ أفقرِ بلدٍ في العالمِ مائيا”، وسبب ذلك بنظرها؛ تزايدِ أعدادِ اللاجئينَ، وقِدَم البنيةِ التحتيةِ للمياه.
وبينت أرقام الدراسة أن العام 1946، والذي شهد استقلال الأردن، كانَ بإمكانِ كلِّ مواطنٍ من بينِ السكانِ وعددهم آنذاك 538 ألفَ نسمةٍ الحصولَ على 3600 م3 منْ المياهِ العذبةِ، وبحلولِ العامِ 2008، قلّصَ النموُ السكاني وعقود من الاستهلاكِ المفرطِ لإمداداتِ المياهِ إلى 145 م3/ شخصِ، لكن هذا الرقم، ووفقا لتقديراتِ ما قبلَ الأزمةِ، سينخفضُ إلى 90 م3 بحلولِ العام 2025.
وتخلص الدراسة إلى أن الأردن، ليس له من خيار سوى مواصلةِ استخراج المياه الجوفية، أما المشكلة الصادمة هنا؛ فتكمن في: قدم البنيةِ التحتيةِ للمنشآت المائية، وعدم كفاية أعمالِ الصِّيانةِ، والسَّرقة، تضافرت جميعها لترفع نسبة الفاقد الى 50 %، بما يعادل بحسب مؤسّسة ميرسي كورب وهي وكالة مساعدات دولية تعملُ في الأردن، 76 مليار لتر سنويا، تكفي لو أمكن الحفاظ عليها لخدمة مليوني نسمة لمدة عام.
في الشمال على الحدود مع سورية، يؤكد المركز انخفاضِ متوسطِ الإمداداتِ المائية اليوميةِ، اذ يعيشُ معظمُ اللاجئين، بأقلْ من 30 لترا في اليومِ/ شخصِ، ويزدادَ العجزُ المائيُ في مدينةِ المفرق الى 4 أضعاف،  ويعتبر توفيرَ 80 لترًا في اليومِ/ شخص ضروريا لتلبيةِ الحاجاتِ الأساسيةِ فقط.
منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)؛ اكدت ان المياهُ لم تنقطعْ عن مخيمي الأزرق والزعتري، اذ يضمان أكثر من 100 ألف، وأصبحت الحاجة ضرورية لسقايتهم، فتولت “اليونسيف” هذه المسؤولية بالتعاون مع الحكومة.
حلول توفير المياه في المخيمين بدأت العام 2012 بحفر أولِ بئرٍ في “الزعتري”، والثاني العام 2013، كذلك حفرُ بئرينِ في “الأزرقِ” عامي 2014 و2017، وفق المنظمة التي أشارتْ إلى أنها تدفع تكاليفَ المياهِ بمعدل 35 لترا/ شخص يوميا.
أخصائية المياهِ والإصحاحِ البيئيِ لدى المنظمةِ في الأردن فيونا وارد، قالت إن (اليونيسيف) وضعت نظاما لتوزيعِ المياهِ بأوقاتٍ محددةٍ، والتركيزِ على ترشيدِ الاستهلاكِ، وتوعية اللاجئين بأن الحال يختلف عما اعتادوه في سورية، ففي الأردن كلُ قطرةِ ماءٍ تأتي بصعوبةٍ كبيرة، ويستهلك سكانَ “الزعتري” (80 ألفَا)، 3 ملايينٍ و200 ألفِ لترٍ من المياه يوميا، بينما يستهلكُ “الأزرقِ” (38 ألفَا) مليونًا و550 ألف لتر يوميا.
وبحسب الاستراتيجيةُ الوطنيةُ الأردنية لاستهلاكِ المياهِ؛ يبلغ معدلَ استهلاكَ الفردِ في عمَّان  120 لترا يوميًا، تنخفض خارجها الى 100 لترٍ، لتصل في المناطقِ الريفيةِ الى 80 لترًا.
تقارير (اليونسيف) تشير إلى أن المياه في الآبار التي حفرت في المخيمات لم ينقص منسوبها، ولم تنقطعْ ولمْ يتوقفْ التزويدُ منها منذُ إنشائِها، وتفحصُ مستوياتِها كلَّ 5 دقائقٍ، وربطِ “الزعتري” بشبكةٍ نقل مياه، ما قصَّر المسافاتِ ووفرَّ كثيرًا من الوقتِ والجهدِ على السُّكانِ والمزودين، وأنهى كثيرا مشكلة الفاقد، لكن كل هذا لا يعني أن “المياه متوافرة وبكثرةٍ”، ما اضطرَ المنظمةَ لتنفيذ حملات توعية لسكان المخيمات لترشيد استخدام المياه.
ومع نزوح جديد في الأراضي السورية بمنطقة الركبان المتاخمة للحدود الاردنية قرب لواء الرويشد، اتخذت المشكلة بعدا آخر، دفعت (اليونيسيف) لحفرُ بئرٍ قريبةٍ من مخيم الركبان في تشرين الأول (نوفمبر) العام 2017، لتزويد من تقطعت بهم السبل قرب الحدود الشرقية، بمعدل 19 لترا في اليوم/ شخص.
فقرب الأردنُ المائي؛ واقعٌ يؤكده الخبير بشؤون المياه المهندس أسامة فياض فـ”المقياسِ العالمي لحصة الفرد من المياه سنويا، يمنحه ألف م3/ سنويا، ما يعني أن المواطن الذي يحصل على هذه الكمية، تعتبر بلاده آمنة مائيا”.
وحسب أرقام الوزارة، فحصة الأردني المائية تتراوح بين 90 – 147 م3؛ ولا يمكنُ الحصولَ على الماءِ؛ إلا بالإدارةِ الرشيدةِ في الاستخدامات المنزلية والزراعةِ، ورفعِ الوعيِ باستخدامِ المياهِ وأدواتِ الترشيدِ وتقليلِ الفاقدِ من الشبكة.
“بترا” رصدت في جولة على مناطق حوضُ الضليل المائي، كثيرا من الآبار في منطقةِ السُّخنةِ والهاشمية والضليل نَضَبَ بعضها فيما انخفضتْ انتاجية الآخر للنِّصف.
وعلى سيل الزرقاء، يقول المزارع الدكتور مخلد نصير إن العشراتِ من عيونِ الماءِ الضخمةِ والتي كانت تشكل رافدًا للسيل، وهي حسيَّة والحَسوة، وسِعْدَة وسعيدة، والسُّخنة والسَّاخنة نضبتْ، وشهد بعضها تراجعا كبيرا في تدفقه بسبب الاستخدامُ الجائرُ وندرة الامطار والاستخدامات الصناعية.

ويشير أحد العدادات الذي ركبته وزارة المياه لبئر في حوض الضليل المائي لقياس كمية المياه المستخرجة منه، إلى أنه كانَ يضخُ 48 م3/ الساعة مع بداية انتاجه عام 1971، لكنه اليوم لا يضخُ أكثرَ من 28 م3/ الساعة، في إشارة إلى أنَّ المخزونَ المائيَ يتراجعُ ليس لسبب واحد ولكن لجميع الأسباب التي ذكرت هنا.

(بترا- بركات الزيود)

مقالات ذات صلة