كيف يعيش أول شخص زُرعت في دماغه شريحة إيلون ماسك؟

حرير- واجهت أول تجربة أجرتها شركة الملياردير الأمريكي إيلون ماسك “نيورالينك” لزراعة شريحة إلكترونية في دماغ بشرية، عيوبًا كبيرة، وفق تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.

وخلال التجربة، أزالت “نيورالينك” دائرة عظمية من جمجمة نولاند أربو، البالغ من العمر 30 عامًا، ووضعت مجسات استشعار رفيعة في دماغه، كما تم وضع كمبيوتر صغير في الأعلى، وأغلقت الفتحة.

وتقول الصحيفة إن أربو أول مريض يشارك في التجربة السريرية للبشر الذين يختبرون جهاز “نيورالينك”، وقد قوبل تقدمه المبكر بالإثارة، ورغم عيوبها، إلا أنه لا يشعر بأي ندم.

ودرّب أربو، بمعاونة المهندسين، برامج الكمبيوتر لترجمة إطلاق الخلايا العصبية في دماغه إلى عملية لتحريك المؤشر لأعلى وأسفل وحوله وسرعان ما أصبح تحكمه في المؤشر مرنًا جدًا.

لكن بمرور الأسابيع، انزلق حوالي 85% من مثبت الجهاز من دماغه، وكان على موظفي الشركة إعادة تجهيز النظام للسماح له باستعادة السيطرة على المؤشر.

ورغم حاجته إلى تعلم طريقة جديدة للنقر على شيء ما، فإنه ما زال بإمكانه تمرير المؤشر عبر الشاشة، وقال إن الشركة نصحته بعدم إجراء جراحة لاستبدال المجسات، مضيفًا أن الوضع استقر.

نكسة وآمال

وأصبحت النكسة علنية لاحقًا. ورغم أن تضاؤل النشاط كان صعبًا ومخيبًا للآمال في البداية، فإن أربو رأى أن الأمر يستحق العناء لتتقدم “نيورالينك” في مجال التكنولوجيا الطبية، وتساعد المرضى على استعادة الكلام أو البصر أو الحركة.

و”نيورالينك” تعدّ واحدة من 5 شركات تستفيد من عقود من البحث الأكاديمي لتصميم جهاز يمكن أن يساعد في استعادة الوظيفة لدى الأشخاص ذوي الإعاقة أو الأمراض التنكسية.

وفي حين ركزت عروض ماسك على طموحات الخيال العلمي، مثل التخاطر، لمستهلكي التكنولوجيا الفائقة، فإن تجربة أربو تظهر إمكانية التقدم في مجال طبي فريد.

وأعلنت الشركة، هذا الأسبوع، أنها حصلت على إذن من إدارة الغذاء والدواء لمواصلة اختبار الغرسات على مرضى إضافيين، لكنها لم تقدم تفاصيل أكثر حول الخلل غير المتوقع.

وكان أربو قد أصيب بالشلل من الفقرة الرابعة في رقبته إلى الأسفل، جرّاء حادثة غرق خلال السباحة في إحدى البحيرات، خلال عمله في بنسلفانيا مستشار تخييم، بعد تخرجه من الجامعة.

وفي السنوات التي تلت الحادث، حاول التكيف مع مجموعة من الأجهزة المخصصة لمساعدة المصابين بالشلل، وكان “سيري” على جهاز “الآيباد”، مساعده الذي سهل عليه الاتصال بأصدقائه ومراسلتهم.

بداية المشوار

وفي العام الماضي، أخبره صديقه، جريج باين، عن شركة “نيورالينك” وحثه على التقدم بطلب للحصول على أول تجربة للشركة على البشر، وشجعه أن ماسك يقود التطور، وأن “الأشياء التي يلمسها تتحول إلى ذهب”.

وبعد أن تم زرع الغرسة، في أواخر يناير/ كانون الثاني، بدأ العمل لأيام طويلة مع موظفي نيورالينك لربط أنماط الخلايا العصبية الملتقطة في دماغه بالإجراءات التي كان ينوي اتخاذها، ووجد العمل مملاً ومتكررًا لكنه يستحق.

وبمجرد الانتهاء من التدريب، منحه المهندسون القدرة على التحكم في المؤشر على جهاز الكمبيوتر، ويستذكر تلك اللحظات بقوله: “كنت أقول، بمجرد أن ترفعوا هذه القيود عني، سأطير فقط”.

وكشف أن الأيام الطويلة لتدريب نماذج الكمبيوتر مع موظفي الشركة إلى جانبه تم تقليصها حاليًا إلى العمل عن بعد، في فترات زمنية مدتها 4 ساعات.

ويواصل الفريق العمل على مهام مثل تهجئة الكلمات، حيث يتصور كتابة حروف بلغة الإشارة أو الكتابة على السبورة الطباشيرية.

لكن جهاز “نيورالينك” استمر في فقدان الاتصال، حيث انزلقت المجسات تدريجيًا من أنسجة دماغه ومن المفترض أنها استقرت في السائل المحيط به.

وعندما بقي حوالي 15% فقط من الخيوط في مكانها، فقد أربو السيطرة على المؤشر تمامًا، وأعاد المهندسون معايرة برامج الكمبيوتر لأداء معظم المهام التي كان قادرًا على القيام بها من قبل.

ولأنه لم يعد بإمكانه جعل النظام يقوم بالنقر بالماوس، فإنه يستخدم أداة جديدة تسمح له بالنقر عن طريق تمرير المؤشر فوق العنصر الذي ينوي تحديده.

وتؤكد الغرسة المعيبة مخاوف بعض الخبراء في مجال واجهة الدماغ والحاسوب. فمن المفترض أن يحافظ الجهاز الدائري الصغير المزروع في الجمجمة على “المحلاق” الرقيق للأقطاب الكهربائية في مكانه، ولكن يمكن للخيوط أن تنسحب.

وذكر أربو أن دماغه تحرك أكثر مما توقع المهندسون، وقاموا بمراجعة الخطة الجراحية لزرع الخيوط بشكل أعمق في دماغ المريض التالي.

وقال إن فريقه كان يتوقع أن يشكل دماغه أنسجة ندبية حول الخيوط الموجودة في قاعدة الدماغ، التي اعتقدوا أنها ستساعد في تثبيتها في مكانها.

وأضاف أنه سيكون لديه خيار ترك الدراسة بعد عام، لكنه يتوقع الاستمرار في العمل مع الشركة لفترة أطول، حيث قالت الشركة إن الدراسة الأولية ستستغرق حوالي 6 سنوات حتى تكتمل.

ويأمل أربو أن يرى التكنولوجيا يتم نشرها أولاً لاستعادة الوظيفة لدى أولئك الذين فقدوها.

وقال: “بعد ذلك يمكن أن يذهب الأمر إلى تمكين الناس من تعزيز قدراتهم، طالما أننا لا نتخلّى عن إنسانيتنا على طول الطريق”.

تعقيدات وصعوبات

وتسلط تجربة “نيورالينك” الأولى الضوء أيضًا على مدى تعقيد آليات الاتصال بين الدماغ والجهاز، حيث أكد لي ميلر، أستاذ علم الأعصاب والطب التأهيلي بجامعة نورث وسترن، صعوبات العمل مع الدماغ.

ولاحظ الباحثون أن الدماغ يشكل نسيجًا ندبيًا حول أجهزة الاستشعار، بل ويرفض وحدة استشعار كاملة تستخدم شبكة من الإبر الصغيرة.

وقالت كريستين ويلي، عالمة الفيزيولوجيا العصبية بجامعة كولورادو، التي بدأت برنامج الواجهات العصبية في إدارة الغذاء والدواء، التي توافق على الأجهزة الطبية مثل الغرسات، إن حالة “نيورالينك” الأولى تشير إلى أن الشركة لا تزال تواجه عقبات في تطوير جهاز متين.

وأضافت أنه إذا تم زرع الخيوط بشكل أعمق، فلا يزال من الممكن أن تخفف وتترك الألياف تحتك على سطح الدماغ، مما قد يزيد من كمية الندبات وفقدان الإشارة في المنطقة.

 

مقالات ذات صلة