التعددية والتنوع ظاهرة صحية

يحيى بركات

الاختلاف والخلافِ الخطِ الأحمرِ الوطنيِ فقاعةَ هواءٍ في ظلِ الاتهاماتِ المستشريةِ فصائليا واستمرارِ هذا الانقسامِ المدمرِ بينَ شطريْ الوطنِ ، أيعقلُ أنْ يكونَ قدْ وصلَ بالمختلفينَ الفلسطينيينَ حدَ تجاوزِ المفهومِ الفكريِ للخلافِ النقديِ الإيجابيِ وصولاً للسقوطِ في قعرِ جوفِ مخططاتِ العدوِ الصهيونيِ الإسرائيليِ ، أنَ اختلافَ الانتماءِ التنظيميِ وخلافِ الرأيِ السياسيِ يجبُ ألا يتماشى ويتماهى ويتلاقى وينطلقُ منْ نفسِ مخططاتِ العدوِ الصهيونيِ وتكتيكاتهِ السياسيةِ لوأدِ القضيةِ الفلسطينيةِ ، أنَ كلَ ما هوَ قائمٌ على هذا الكوكبِ منْ بشرٍ وطبيعةً ومعلوماتٍ ، وفي كلِ الأزمنةِ والأمكنةِ منْ الماضي السحيقِ للحاضرِ المعاشِ ، فيهِ اختلافٌ ، أنَ جميعَ البشرِ على اقتناعٍ بذلكَ ، وجميعَ الفلسفاتِ والأديانِ السماويةِ أكدتْ على أهميةِ التنوعِ والاختلافِ ، لكنْ على الرغمِ منْ ذلكَ كلهُ ، نرى هذهِ المهزلةِ الخلافيةِ في الساحةِ الفلسطينيةِ ، وظواهرُ التعصبِ على أسسٍ دينيةٍ وسياسيةٍ ” يمينيةٍ شعبويةٍ ” أوْ دينيةٍ تكفيريةٍ متطرفةٍ ، تعتمدَ نفى الآخرُ ، ونفي للتعدديةِ ، الاختلافُ بالرأي تحولَ إلى خلافاتِ وانقساماتِ مدمرةٍ ، يدفعَ ثمنها الشعبُ الفلسطينيُ الواحدُ ، المشكلةُ ليستْ في وجودِ اختلافِ رأيٍ ، وانقساماتُ داخلَ الحركةِ السياسةِ الوطنيةِ الفلسطينيةِ ، بلْ في انحرافِ الانقساماتِ السياسيةِ إلى انقسامٍ في صفوفِ الشعبِ ، وانقسام في وحدةِ أرضِ الوطنِ ، وتحولَ في مفهومِ مبدأِ الاختلافِ ، منْ الإيجابيِ الصحيِ السليمِ إلى حالةِ تخوينِ وتكفيرِ قاتلٍ مدمرٍ إثرَ على مجملِ أسسِ الصراعِ الفلسطينيِ الإسرائيليِ ، أنَ عواملَ الانقسامِ والاختلافِ ستبقى قائمةً وتتعاظمُ ، ما دامَ الوعيُ لمْ يرتقِ على الصعيدِ السياسيِ والثقافيِ والاجتماعيِ ، بحيثُ يفصلُ بينَ الانتماءِ الوطنيِ الشاملِ لفلسطين ، وقضيةُ التحررِ منْ نيرِ الاحتلالِ الإسرائيليِ الاحتلاليِ الاستعماريِ العنصريِ الفاشيِ الإرهابيِ ، والاستقلالُ وبناءُ الدولةِ الفلسطينيةِ الديمقراطيةِ الحرةِ ، وبينَ الانتماءِ للفصيلِ أوْ الحزبِ أوْ الحركةِ وبينَ الدينِ وتعدديةِ الأديانِ في فلسطينَ ، يجبَ أنْ تعتمدَ كلُ القوى السياسيةِ ميثاقا أوْ دستورا مدنيا يحكمُ الثوابتَ الوطنيةَ ، المهمَ ألا يصلَ بنا هذا الانقسامِ السائدِ حاليا والمتأزمَ والمتنامي حدَ الانقسامِ الأهليِ ، فالتعدديةُ والتنوعُ بمختلفِ أشكالهِ ، ظواهر صحيةٍ إيجابيةٍ حتميةٍ ، اثبتْ الإنسانَ صحةَ وجودها في عمليةِ التحررِ والاستقلالِ وبناءِ دساتيرِ الدولِ المتقدمةِ الإنسانيةِ الحضاريةِ ، والتي حكمتْ كيفيةَ التعاملِ معَ التعدديةِ والتنوعِ ، واعتمدتْ ضوابطُ للاختلافِ ، على مستوى الأفرادِ والقوى السياسيةِ بحيثُ لا يتحولُ الاختلافُ في الرأيِ على قضايا عامةٍ ، دينيةً ، ثقافيةً ، سياسيةً ، اقتصاديةً ، إلى خلافِ بينَ الأشخاصِ المختلفينَ أوْ تحشيدٍ سياسيٍ اجتماعيٍ دينيٍ ، إنَ المجتمعاتِ الديمقراطيةَ المعاصرةَ قدْ توصلتْ إلى خلاصاتٍ مهمةٍ يمكنُ الأخذُ بها في أيِ مكانٍ وأبرزَ هذهِ الخلاصاتِ ، صونُ حقوقِ جميعِ المواطنينَ في الوطنِ بغضِ النظرِ عنْ أصولهمْ العرقيةِ أوْ عقائدهمْ الدينيةِ أنَ عدمَ الالتزامِ بنهجِ الديمقراطيةِ يزيدُ الانقسامُ الناتجُ عنْ التنوعِ في الانتماءِ السياسيِ والذي حتما سيؤدي إلى مساراتِ صداميةَ عنيفةً ، وهناكَ عواملُ كثيرِ تدفعُ بعضَ الناسِ إلى الانحباسِ في خنادقَ دينيةٍ مسيسةٍ أوْ تنظيميةٍ متعصبةٍ ، معتقدانِ أنهمْ الأصوبُ ، بينما همْ في الواقعِ مساجينُ فكرٍ جاهزٍ متعصبٍ حزبيٍ ، ينفي غيرةً ويلغي تاريخهُ ويزورُ الحقائقَ ، يبقونَ على ما همْ عليهِ جامدينِ متحجرينَ أصنامٌ ويرى كلُ تنظيمِ أنهُ الصوابُ في فكرهِ والخطأُ في فكرِ غيرهِ ، قليل منْ الأشخاصِ يراجعُ تجربتهُ ويرى احتمالُ الخطأِ في أفكارهِ أوْ احتمالِ الصوابيهْ في فكرِ الآخرِ أعتقد أنَ هذا منطلقٌ مهمٌ لإنجاحِ أيِ حوارٍ أوْ تفاعلِ أوْ نقاشِ بينَ أفكارِ وآراءِ مختلفةٍ ، منْ دونهِ ستسيرُ الأمورَ في طريقٍ مسدودٍ ، قدْ ينتهي عندَ البعضِ بالمقاطعةِ أوْ بالتخوينِ ، أوْ بالإساءاتِ الشخصيةِ والتكفيرِ ، وقدْ لمستْ أهميةَ هذهِ المسألةِ في العديدِ منْ الكتاباتِ على صفحاتِ التواصلِ الاجتماعيِ ، حيثُ غالبيةُ هذهِ التغريداتْ تنادي لوجودِ تعدديةٍ فكريةٍ ، وسطَ غابةِ الفصائلِ والقوى السياسيةِ الفلسطينيةِ ، حتى لوْ كانَ هذا الفصيلِ كانَ لهُ تاريخٌ لكنهُ اليومَ بلا قاعدةِ جماهيرهِ ، فكيفَ إذا كانَ هذا الفصيلِ غالبيةً ويمسك بالسلطةِ ؟ هنا أوْ هناكَ ! يجبُ الوصولُ إلى توافقٍ وفهمٍ مشتركٍ لمعنى المقاومةِ ، فهوَ المدخلُ لأيِ حوارٍ سياسيٍ جادٍ ، الحلُ لا يكونُ برفضِ المصطلحِ لمجردِ خلاصاتِ تجاربَ محددةٍ سلبيةٍ ، تحملَ تسميةَ هذا المصطلحِ ، المشكلةُ هنا أنَ المصطلحاتِ كلها تعرضتْ إلى تجاربَ تطبيقيةٍ سلبيةٍ ومسيئةٍ ، منْ الفكرِ القوميِ والفكرِ العلمانيِ وأخيرا الفكرَ الإسلاميَ ، وشعاراتُ الحريةِ والديمقراطيةِ والوطنيةِ والوحدةِ العربيةِ ، أمةٌ عربيةٌ واحدةٌ ذاتُ رسالةٍ خالدةٍ ، والإسلامُ هوَ الحلُ ، أنَ التشويهَ الذي يحدثُ بينَ أبناءِ الشعبِ الفلسطينيِ الواحدِ ، لمفاهيم وأفكارٍ ومصطلحاتٍ تحملُ أبعادا سلبيةً للحاضرِ والمستقبلِ ، إذْ ما جرى الركونُ إليها أوْ التسليمِ بها ، إنَ الشعبَ الفلسطينيَ جذورهُ الحضاريةَ تجذرتْ عبرَ التفاعلِ الذي جرى على أرضِ فلسطينَ وفي محيطها معَ الحضاراتِ الأخرى المختلفةِ ، شعبُ فلسطينَ مجبولٌ بالتعدديةِ ، وعلى أرضِ فلسطينَ تتعددُ الرسلَ والرسالاتِ ، وعبرَ التاريخُ تعددتْ الحضاراتُ الإنسانيةُ والأجناسُ والأعراقُ والألوانُ ، لذا ؛ كيانَ الاحتلالِ الإسرائيليِ العنصريِ الفاشيِ الإرهابيِ النازيِ ، عابر مهما طالَ الزمانُ ، والشعبُ الفلسطينيُ باقٍ على أرضهِ ، وفي وطنهِ التاريخيِ مهما بقيةَ الحياةِ على هذا الكوكبِ ، وبقيَ الاختلافُ ، والخلافُ مهما كانَ يجبُ أنْ يكونَ عصفٌ فكريٌ ثوريٌ نضاليٌ ديمقراطيٌ للوصولِ إلى الحريةِ الإنسانيةِ والوحدةِ الوطنيةِ والحريةِ والنصرِ والاستقلالِ . . .

نص رسالة يحيى بركات إلى مؤتمر الجالية الفلسطينية في واشنطن .

مقالات ذات صلة