تركيا نفت تسليمه لإسرائيل.. “نقش سلوان” وتوظيف علم الآثار لاختلاق مملكة توراتية قديمة

نفت مصادر دبلوماسية تركية، الأحد، مزاعم وسائل إعلام إسرائيلية، بأن أنقرة ستمنح تل أبيب قطعة أثرية تعرف باسم “نقش سلوان” تم نقلها إلى مدينة إسطنبول من القدس في العهد العثماني.

وقالت هذه المصادر إن مزاعم نية تركيا منح إسرائيل القطعة الأثرية -التي عثر عليها بالقدس عام 1880 وكانت حينها أرضا عثمانية- هي أنباء “كاذبة”.

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الحكومة طلبت من تركيا مرات عديدة منحها “نقش سلون” إلا أن أنقرة رفضت ذلك مرارا.

وزعم خبر بموقع “تايمز أوف إسرائيل” أن نقش سلوان الموجود في متحف الآثار بإسطنبول من أهم النقوش العبرية القديمة، وأنه سيُمنح إلى إسرائيل، لكن أشارت أيضا لعدم وجود تأكيد من تركيا بهذا الخصوص.

وادعى الموقع الإسرائيلي أن النقش -وعمره 2700 عام- يمثل دليلاً مباشرًا على رواية الكتاب المقدس عن بناء نفق الملك حزقيا (أحد ملوك مملكة يهوذا) بالقدس المحتلة.

ونقل عن مسؤول إسرائيلي أن تركيا وافقت على إرسال النقش الموجود بمتحف إسطنبول للآثار زاعما أن إسرائيل عرضت إرسال قطعة قيمة تاريخية ودينية مهمة إلى تركيا موجودة حاليًا بمتحف إسرائيلي، على الأرجح شمعدان قديم من أيام الحكم العثماني لفلسطين الذي استمر 5 قرون.

وقال “تايمز أوف إسرائيل” إن الحكومة حاولت عدة مرات السنوات الأخيرة تأمين إعادة النقش، كان آخرها عام 2017 عندما عرضت وزيرة الثقافة آنذاك ميري ريغيف مقايضته بفيلَين لحديقة حيوانات تركية، لكن تم رفض العرض.

وبحسب الموقع، طلب الرئيس آنذاك شمعون بيريز من الرئيس التركي آنذاك عبد الله غل عام 2007 أن يعير إسرائيل النقش على الأقل حتى يتم عرضه للجمهور باحتفالات الذكرى السبعين للدولة، ولكن لم يحدث ذلك بسبب التوترات الدبلوماسية بشأن الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة.

كما قال رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو إنه عرض عام 1998 مقايضة الآثار التركية بالمتاحف الإسرائيلية مقابل النقش ولكن طلبه قوبل بالرفض، بحسب المصدر ذاته.

مثير للجدل

ولم تشر نصوص نقش سلوان إلى تاريخ أو سنة أو حتى أحد من ملوك الحقب القديمة، مما يشكك في علاقة النقش بالنفق المشار إليه بنصوص “حزقيا” التوراتية، واختلف باحثون في نصوص الكتاب المقدس والنقوش التاريخية في قراءة النص وتحديد لغته الأصلية، وتحديد الحقبة الزمنية التي تم نقشه فيها وحتى تحديد زمن النفق المقصود، ورجح آخرون أن يعود النقش للقرن الثاني أو الثالث الميلادي.

وفي دراسة لمؤسسة “عمق شبيه” الإسرائيلية المعنية بعلم الآثار في القدس، كتب الباحثون المشاركون في الدراسة أنه لو أن حاكما أو ملكا أمر بنحت نقش يمجد اسمه لكان من المفترض أن يأمر بنصب النقش عند مدخل النفق.

وأضاف الباحثون “لو وضعنا القصة التوراتية للحظة جانباً، نجد أننا أمام قصة مميزة مجموعة مهندسين عملوا ووثقوا نجاحهم بعيداً عن أعين الحاكم”.

ويشير النقش -حسب الباحثين- إلى أن عمالا بنوا النفق وحرصوا ألا ينظر إليه كمشروع ملكي، مما يصعب من ربطه بالقصة التوراتية، كما أن كتابة النص، باستخدام الكنعانية التي انشقت عنها العبرية، كان أسهل بكثير من استخدام الهيروغلفية المصرية أو كتابة بلاد ما بين النهرين المسمارية الرائجتين ذلك الوقت.

ويتحدث الباحثون عن قضية “حدود معرفة علم الآثار” فالاعتراف بأن ثمة أسئلة لا توجد لها إجابات ينبغي أن يكون واضحا للعلم الذي يقوم على دراسة البقايا والتي هي نتاج الدمار والكوارث والهجرة وغيرها من العوامل مما يترك عالم الآثار مع بقايا شحيحة ومواد قابلة للتلف لا تصمد بمناخ مثل القدس القديمة، وطالبوا بمناقشة المكتشفات الأثرية بعيدا عن أي توجيهات قومية أو دينية أو تاريخية لدراسة الماضي بموضوعية.

وانتقد التقرير تمويل الحفريات الأثرية من قبل منظمة أيديولوجية، مشيرا لاستيطان جمعية إلعاد لعشرات المنازل بقرية سلوان وموقع المدينة المقدسة القديمة، وفي الوقت ذاته تدعم الجمعية نشاطات البحث الأثري في القرية على حساب مهنية علم الآثار.

ويقول أيضا إن الاكتشافات الأثرية لا يجب ولا يمكنها أن تستخدم وسيلة لإثبات أحقية شعب أو طائفة دينية بمكان ما، فهي تروي قصة مركبة ومستقلة عما تمليه التقاليد والمعتقدات، ويطالب التقرير بتقويض التصور الذي يرى في بقايا الماضي وسيلة لتبرير إلحاق الأذى بفئة مستضعفة.

مملكة غير تاريخية

وسمى باحثو التوراة ما يعتبرونه إسرائيل القديمة “مملكة إسرائيل الموحدة” للتمييز بينها وبين المملكتين المنفصلتين “السامرا” الشمالية و”يهوذا” الجنوبية، بينما نفى مؤرخون وأثريون بينهم البروفيسور إسرائيل فينكلستاين من جامعة تل أبيب وجودها التاريخي، ويرى أنها مبالغة لصالح دعاية سياسية ودينية.

ولم يكشف في القدس -التي يفترض أنها عاصمة ملكية ثرية حافلة بالقصور والمعابد- مبنى ملكي واحد بالعصر الحديدي المبكر المفترض للملكية (monarchy) ولا مبنى وحيد يليق بعمدة أو حاكم محلي، أو أثر من عصر مملكة موحدة مزدهرة.

ومن جانبه يلفت الباحث في تاريخ فلسطين القديم أحمد الدبش -في حديث سابق للجزيرة نت- إلى أن السِمَة الأكثر إدهاشا في خطاب دراسات العهد القديم هي الصمت المُطبق للسِجِل الأثري للقدس وفلسطين، حول قيام الحقبة الملكية بالمنطقة.

وقد لاحظ باحثون أثريون أن التطور الاقتصادي الاجتماعي للقدس وجنوب فلسطين تأخر قرنين ونصف القرن عنه شمال فلسطين، مما شككهم بإمكانية قيام دولتين بعد انقسام المملكة الموحدة إلى مملكتين، ناهيك عن أن تكون القدس عاصمة المملكة الموحدة أصلا.

ويلاحظ الدبش أن حركة التاريخ التوراتي لا تطابق جغرافية وإحداثيات المنطقة من العراق للشام ومصر، وأن الخطاب التوراتي لفق جغرافيتها، ويضيف أنه -بحسب السجل التاريخي والأثري- لا يتّسع تاريخ المشرق لمملكة متحدة وملوك تقدمهم قصص التوراة، وأنه عالَم خيالي من زمن غابر لم يوجد على هذا النحو أبدا بالمشرق، وأنه لم يكن هناك ما يكفي من البشر لإقامة مُلْك ولا دليل على وجود قوة سياسية مهمة في فلسطين قادرة على توحيد اقتصادات وأقاليم عديدة.

المصدر : الجزيرة + الأناضول

مقالات ذات صلة