عندما ينتصر جيورا آيلاند لـ«دولة غزة» و«حكومة حماس».. عريب الرنتاوي

الجنرال جيورا آيلاند (ما غيره)، رئيس مجلس الأمن القومي في إسرائيل الأسبق، وصاحب نظرية «التبادل الإقليمي للأراضي» الشهيرة في العام 2004 (على ما أظن)، والخبير الاستراتيجي الأكثر حماسة لمشاريع «تسمين» غزة و»توسيعها» منذ ذلك الحين، ينشر مقالة في يديعوت أحرنوت، يدافع فيها بقوة عن «دولة غزة» القائمة (والمستمرة) بحكم الأمر الواقع، ويدعو الأطراف الإقليمية والدولية للتعامل مع «حكومة حماس»، طالما أنها مسؤولة عن الوضع العسكري والأمني، ومن الطبيعي أن تكون مسؤولة عن «الوضع المدني»، وهي حكومة وفقاً له، «منتخبة ديمقراطياً بقدر كافٍ»، ويشجع المجتمع الدولي عن إبرام اتفاقات لتنفيذ مشاريع بنى تحتية في القطاع، وعدم الاكتفاء بإدخال مساعدات فقط، لحل مشكلتي الفقر والبطالة، إلى غير ما هنالك.

آيلاند، يطالب الحكومة الإسرائيلية الخروج من حذرها التقليدي، وإتمام الصفقة الشاملة في القطاع، بما فيها صفقة تبادل الأسرى، ويرى أن هذا الخيار هو «أهون الشرور» … منضماً بذلك، إلى رهط من قادة اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل، الذين أبدوا حماسة نادرة لإتمام صفقة التهدئة والهدنة في القطاع، من دون السلطة الفلسطينية، بل وعلى حسابها، طالما أن الأمر سيفضي إلى «تكريس الإمارة» واقعياً، وتحت ستار كثيف من الشعارات الثورية والجهادية، وطالما أن حلقة جديدة من مسلسل «صفقة القرن» يجري تنفيذها على الأرض، قبل الكشف عن الصفقة وبدء المفاوضات بشأنها، ونقصد بها حلقة فصل الضفة عن القطاع، وتحويل الأخير إلى مركز للدولة الفلسطينية العتيدة، وبقايا الضفة إلى أجرام تدور في فلكه، على توقيت وإيقاع «نظرية الأمن القومي» الإسرائيلية، والأحلام التوارتية والشوفينية، لليمين الديني والقومي في إسرائيل.
من وجهة نظر جيورا آيلاند، فإن إخراج السلطة من الصفقة الثلاثية: مصر، إسرائيل وحماس، هو ما جعلها ممكنة … حماس لن تقوى على «ابتلاع الضفدع» في إشارة لإمساك السلطة بالملف الأمني في غزة … وإسرائيل في العمق (والكلام من عندنا)، لا نريد وحدة جناحي الوطن الفلسطيني المحتل والمحاصر… أما مصر، التي تراجعت عن موقفها السابق بضرورة إدماج السلطة في أي مشروع للتهدئة وإنجاز المصالحة قبل التهدئة، فقد باتت تعطي أولوية قصوى لأمن سيناء، انطلاقاً من غزة، والحاجة للتنسيق الأمني مع حماس.
الأطراف الثلاثة، قد تخرج رابحة بالمعنى التكتيكي المباشر: حماس ستكون «سلطة الأمر الواقع» المفضية إلى «إمارة غزة» لا محالة، مسقطةً بذلك شعارها الأثير: «لا دولة في غزة ولا دولة من دونها، دع عنك «معزوفة خيار المقاومة» …. إسرائيل تكون قد وضعت مسماراً أخيراً في نعش «حل الدولتين» وفرص قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة … ومصر تكون قد تنفست قليلاً، أقله من الناحية الأمنية في سيناء، مستعيدة دورها في الملف الفلسطيني، ولكن من البوابتين الأمريكية والإسرائيلية (من أسف)
الخاسر الأكبر في كل ما يجري هو الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية ومستقبل نضاله في سبيل العودة والحرية والاستقلال … أما «الممثل الشرعي الوحيد»، فيقف عاجزاً متفرجاً على ما يجري، من دون حول ولا قوة، وهو اليوم يدفع أثماناً باهظة لأخطائه الفاحشة في إدارة ملف الانقسام ومقاومة الاحتلال والتصدي لصفقة القرن، يدفع أثماناً باهظة نتيجة عجزه عن توحيد البيت الفلسطيني، بيت منظمة التحرير على الأقل، وإصراره على الهيمنة والتفرّد، وتحكم بعض القيادات الشائخة (وبعضها صبياني رغم شيخوخته)، في مقاليد السلطة والقرار.
حماس نجحت في توظيف «زخم» مسيرات العودة الكبرى، لتأكيد دورها كلاعب متفرد في القطاع، وتعزيز سلطة الأمر الواقع هناك، واكتساب قدر من «الشرعية» لنفسها على هذا النحو … فيما فتح تسجل الخيبات والهزائم المتلاحقة … وفي جميع الأحوال، يدفع الشعب الفلسطيني أفدح الأثمان، لهذه الثنائية القاتلة المتحكمة بمسارات حاضره ومستقبله، بأعلى قدر من الأنانية والانتهازية، وبأقل قدر من الكفاءة والإخلاص والالتزام.

مقالات ذات صلة