فزع الحلقة المفرغة.. رمزي الغزوي

أسهل الأشياء، أن يكون الواحد منّا متشائماً، في هذا الزمن العفشيكي. التفاؤل جبل شاهق صعب المنال، وقلة منا سيحاولون تجشم تسلقه، أو بلوغ قمته. والأكثر سهولة أن المتشائمين، لن يتركوا لمتفائل فرصة تطلع بعين الأمل. ولربما يكون هذا مبرراً؛ فلديهم من المؤشرات ما يكفي لرسم الظلام وكوابيسه.

إن قلت لهم: دعونا نتفاءل ونمد حبلا للصبر والعمل الجاد، فثمة خروج قريب من عنق الزجاجة يلوح في آفاقنا؛ إن قلت هذا؛ ضحكوا وصرخوا فيك: ولك يا بني آدم، قزازتنا غريبة عجيبة. إنها عنق يضييييييق ويمتددددددد. والمصيبة أن نهايتها مزطومة (مغلقة). ساعتها ستفتح عينيك وتقول: بل واقعنا ألطف من هذا بكثير.
عندما شرح رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز في الجامعة الأردنية مطلع هذا الأسبوع، كيف يتوجب ألا نجعل اقتصادنا يدخل (حلقة مفرغة)، أي حين يتساوى معدل نموه مع الفائدة على الدين العام. عندما سمعت هذا فزعت، وابعدت عن خاطري مقولة لرئيس وزراء أسبق بينت أن اقتصادنا يرقد في غرفة (إن عاش)، بل تذكرت أسطورة أشد وجعاً.
ففي الأسطورة اليونانية أن (سيزيف) استطاع أن يصبح خالداً، مما أثار حفيظة الأسياد، الذين توعدوه بانتقام يليق بصنيعه المشين وعمله المريب، واعتدائه على أهم قانون في الطبيعة؛ فحكموا عليه أن يدحرج صخرة كبيرة نحو قمة جبل شاهق.
سيزيف كان يرهق نفسه، وتخور قواه حتى يدحرج الصخرة الثقيلة إلى القمة، لكنه ولسوء حظه، كانت تنفلت منه، في اللحظة الحرجة، أي قبيل بلوغه القمة بشبر أو فتر، فتسقط إلى بطن الوادي، ليعيد الكَرة مرةً إثر مرة. فأي بؤس هذا؟!.
لكن غيمة التشاؤم التي تلبستني بسماع مصطلح الحلقة المفرغة المفزع المخيف، ما بلثت أن انقشعت، ليس لأني متفائل الطبع وأمنح الأمل فرصة، حتى في الوقت الإضافي. بل ثمة اصرار يلمع في كلام الرئيس وبوحه. فهو يفصّل ويحلل ويخاطب الناس بلغة يفهمونها، والأهم إنه لا يطلسم الأفكار، ويسمي الأشياء بمسمياتها.
نعم هو بسيط، عميق، سلس، سهل الهضم، ومقبول. ولكن هل كل هذا سيكون كافياً، كي لا نسقط في دوامة الحلقة المفرغة،. هل هذا سيكون مقبولا ومقنعا أن نقول لمن يرون زجاجتنا مزطومة، أن نحاول ونجرب، ونكسر عنقها، وأن نوقف فراغ الحلقة أن يلتف على أعناقنا.
لا أريد أن أذكر الناس بما لا ينسونه. الدين العام سيكون متساويا مع قيمة الناتج المحلي في القريب. وهذا أكثر فراغا وفزعا من حلقة الرزاز نفسها. فعندها تلك النقطة، نصير نحرث وندرس لعمنا بطرس. على حد تعبير المثل الشعبي المعروف.
نريد بأمل أن نمنح العمل المثابر فرصة. فهذا سبيلنا الوحيد. لست واعظا أو خطيبا. ولكن أن نربي الأمل ونعطيه فرصة نجاة، سيكون أفضل بكثير من منح التشاؤم حبالا وسكاكين ومقارع تذبحنا وتفزعنا فوق فزعنا.

مقالات ذات صلة