ورقها أغلى منها

بلال حسن التل

اعتذرت خلال الأسابيع الماضية عن تلبية العديد من الدعوات للمشاركة في الكثير من المؤتمرات خارج الأردن، التي قال منظموها انها تعقد لنصرة غزة.

ولاعتذاراتي أسباب عديدة منها:انني الاحظ ان هناك جهود حثيثة لركوب موجة معركة طوفان الأقصى، وبعض هذه الجهود يبذل لغايات خبيثه، وبعضها الاخر بهدف تسجيل حضور لأصحابه، وبعضها الثالث هم الذين يصدق بهم قول الشاعر(كل يدعي الوصل بليلى)، ومعظم من يحاولون ركوب موجة معركة طوفان الأقصى، يؤكدون مقولة ان للنصر الف الف اب، وأن لا اب للهزيمة!.
سبب ثاني لاعتذاراتي انني سبق وان شاركت بالمئات من المؤتمرات، وكنت انتظر نتائج وتأثير لها فلم أجد.ذلك انه في كل بلاد الدنيا يكون انعقاد المؤتمر بداية للعمل من أجل تحقيق الهدف الذي من أجله انعقد المؤتمر،من خلال القرارات القابلة للتنفيذ واليات التنفيذ التي يجب أن يضعها المؤتمرون لتنفيذ قراراتهم، وهو ما لايتم في بلادنا. حيث يكون انعقاد المؤتمر هدفا بذاته، فينتهي العمل بانتهاء المؤتمر وهي نهاية غالبا ماتكون ببيان شجب واستنكار، او تمنى مجبول بالنواح !.

ومن أسباب اعتذراتي ان نسبة لابأس بها من هذه المؤتمرات التي تعقد في بلادنا العربية والإسلامية تشكل احد مداخل الارتزاق للقائمين عليها. لذلك فانها تأخذ في الكثير من الأحيان طابع الشللية فتجد هذه الشلة في مؤتمر له طابع سياسي، ثم تجدها في مؤتمر له طابع اقتصادي، ثم تجدها في مؤتمر له طابع ثقافي،لذلك تأتي البيانات الصادرة عن هذه المؤتمرات مطابقه، لأنها تصدر عن عقلية نفس الشلل.
ومن أهم الأسباب لعدم تلبيتي للكثير من الدعوات قناعتي بان كل المواقف و التصريحات والبيانات والقرارات لا وزن لها، الا بمقدار القوة التي تدعمها وتفرض ترجمتها إلى وقائع على الأرض.

والأدلة على ذلك أكثر من ان تحصى، وأبرز أمثلتها قرارات الهيئة العامة للأمم المتحدة، ومجلس امنها، خاصة تلك المتعلقة بقضية فلسطين، وهي بالعشرات فقد ذهبت كلها إدراج الرياح، ولم تساوي الحبر الذي كتبت به،لأن الطرف الذي صدرت هذه القرارات لمصلحته وهم العرب لايمتلكون القوة لتنفيذها، واذا امتلكوا بعضها فانهم لا يرغبون في استخدامها.
وفي المقابل فان قرارات مجلس الأمن نفسه المتعلقة بتدمير بلاد عربية كالعراق وليبيا نفذت قبل أن يجف حبرها، لأنها تخدم أهداف استعمارية لدول تملك القوة لتنفيذها بغيا و عدوانا، وهو ماتم بالفعل.

ومثل قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة الخاصة بفلسطين، كذلك قرارات القمم العربية والإسلامية فكلها تذهب إدراج الرياح، لأن معظم المشاركين فيها إنما تأتي مشاركتهم من باب المجاملة ورفع العتب، لذلك تأتي قراراتها على شكل توصيات، فاذا كان هذا حال أعلى الهيئات في بلادنا العربية والإسلامية،وهي حال تتوقف عند حدود التوصيات والتمنيات فمن الذي سيقرر وينفذ؟!،

ليست المؤتمرات العربية والإسلامية ذات الطبيعة الأهلية بأفضل حالا من نظيراتها الرسمية،لأسباب عديدة منها ان الغالبية الساحقة من المؤتمرات ذات الصبغة الأهلية، هي في واقع الحال جزء من اجندات الدول التي تعقد على أرضها، ومحاولة لتلميع تلك الدول. ومنها ان نسبة لابأس بها من المشاركين في هذه المؤتمرات ليسوا أصحاب اختصاص بموضوع المؤتمر، ولكن أيضا لاوزن ولا تأثير للكثيرين منهم في بلدانهم. فاذا أضفنا إلى ذلك كله ان جميع هذه المؤتمرات تتوقف عند حدود الشجب والأماني، دون أن تضع خارطة طريق لترجمة هذه الاماني إلى وقائع على الأرض، مما يجعل الورق الذي تكتب عليه توصياتها اهم واغلى منها، فنتأكد من عبثيتها .

لكل ماسبق يمكننا القول ان المؤتمرات في بلاد العرب والمسلمين ليست أكثر من لقاءات علاقات عامة، ومياومات عند الموظفين الرسميين، و(شمة هوا ) عند بعض ممثلي المنظمات الاهلية.

غير ان كل ماسبق لا يعني ان نتوقف عن العمل الاهلي، بأن نسعى اولا إلى تصحيح مساره من جهة، وأن نكثف العمل كل في بلده ليضغط على حكومة بلاده، أو لحث الجماهير على أداء دورها، ومن أهم اسلحتها المقاطعة الإقتصادية والثقافية الفعالة لمنتجات العدو الصهيوني وداعميه، ومقاطعة نشاطاتهما سواء كانت معارض أو مؤتمرات وندوات. وكذلك استخدام كل وسائل التواصل الاجتماعي وبكل اللغات لبيان همجية العدو وداعميه، وصولا إلى بناء قوتنا الذاتية عسكريا وإقتصاديا وسياسيا واعلاميا. عند اذن لاتظل المؤتمرات في بلادنا مناسبة علاقات عامة، ولاقراراتنا حبرا على ورق.

مقالات ذات صلة