هذه الرسالة «الخبيثة».. حسين الرواشدة
ما فعله الارهابيون في «الفحيص» كان مجرد بروفة بشعة لعمليات ممتدة قد تكون أخطر وأكبر، هذا ما كشفته أمس أحداث السلط التي تمكنت فيها الأجهزة الأمنية من مداهمة المشتبه بهم الذين تمترسوا في احدى البنايات، ثم فجروها بعد ان قرروا عدم تسليم أنفسهم.
ما جرى لم يكن مفاجئاً، فمنذ عملية الكرك قبل نحو عامين أشهر المتطرفون «ارهابهم»، وانتقلوا من دائرة اعتناق الفكرة الى ممارستها في الميدان، آنذاك قلنا ان السكوت على مشكلة التطرف وعدم مواجهتها بمقاربات فكرية ودينية او تفكيكها بالشكل الصحيح سيتيح لها فرصة للتمدد والتمكن، وسيسمح لاصحابها بالخروج للانتقام وتدمير وقتل كل ما يتعلق بنا -كبشر- من مقومات للحياة والاستقرار.
أسئلة العملية وتداعياتها ما تزال بلا إجابات حاسمة: من هم الفاعلون، وما ارتباطهم بالتنظيمات الإرهابية، ومن اين حصلوا على هذه الأسلحة والمتفجرات وفيما اذا كانوا من «العائدين» أم ان لديهم أقرباء شاركوا في القتال هناك (بالمقارنة مع المتورطين في عملية الكرك)، لكن – مهما تكن الإجابات – فإن الرسالة الإرهابية التي حاولوا أن يبعثوها يفترض ان تفهم في سياق التحولات الكبرى التي تمر بها المنطقة، سواء فيما يتعلق بصفقة القرن او بإعادة ترسيم الخرائط في المحيط التي سقطت فيه الدول والعواصم ، او فيما يتعلق بما يتعرض له بلدنا من «حروب»، تستهدف الضغط عليه وزعزعة جبهته الداخلية واشغاله بأزماته.
إذا فهمنا هذه الرسالة «الخبيثة» ولم نختزلها فقط في اطار اختيار المكان او الأدوات التي نفذت فيها العملية، وإذا ادركنا حقيقة وجود خلايا إرهابية ممتدة سواء اكانت مستوطنة او وافدة من خارج الحدود الى مجتمعنا، وتستهدفنا في كل وقت، فإن السؤال المهم الذي يفترض ان نجيب عليه بصراحة هو: كيف نتعامل مع هذا الخطر وكيف نواجهه؟
الاجابة على هذا السؤال المهم تستوجب التدقيق في مسألتين : احداهما مسألة «التربة» التي خرج منها التطرف بما يحيط بها من التباسات وأسباب موضوعية وبيئات داخلية وخارجية، والأخرى مسألة المقاربات التي قمنا بها لمواجهته، سواء في المجال الإستباقي او اللاحق ، وعلى المستوى الأمني او الإعلامي او السياسي، الإجابة على ذلك بروح وطنية تعادل تضحيات شهدائنا الين قدموا أرواحهم كرمى لعيون بلدنا، رحمة الله عليهم جميعاً، هي المفتاح الذي سيمكننا من ردّ الجميل لأبنائنا الشهداء، ورد العاديات عن بلدنا، ومواجهة هذا «السرطان» الذي يكاد يتغلغل في مجتمعنا أيضا.
هنا لدي ملاحظتان : الأولى هي اننا لم نتصرف كما يجب لمواجهة ظاهرة التطرف مثلما فعلنا في مواجهة الإرهاب، مع ان التطرف هو «المنتج» الأساسي لأيّة عملية إرهابية، ومع ان التعامل الاستباقي معه أسهل وأضمن من التعامل مع مخرجاته ، اما المسألة الثانية فهي أننا لم ننجز روايات وردود مقنعة لدحض أفكاره اولاً، ومواجهة افعاله اللاحقة، والردود هنا لا تتعلق «بالسرديات الدينية والإعلامية وانما الممارسات العملية الفاعلة في مجالات السياسة والاقتصاد، خاصة ان معظم ضحايا التطرف ينتسبون الى فئات عمرية محددة (دون سن 30) وبيئات مهمشة، وظروف اجتماعية منغلقة وطاردة، وربما من «عائلات» ذات سجل له علاقة بالتطرف.
باختصار، الرسالة الخبيثة التي وصلتنا تحتاج الى ردود وطنية شجاعة من هذا النوع الذي اشرت اليه، لانها كما يبدو جاءت في سياقات مفخخة سياسيا، وفي أجواء دولية وإقليمية ملبدة بالغبار.