ماذا خسرنا وماذا ربحنا

حاتم الكسواني

مما لاشك فيه بأن عملية طوفان الأقصى إنطوت على مجموعة من الفوائد ومجموعة من الاضرار  لكنها في محصلتها بعرف حروب التحرر والإستقلال تعتبر خطوة على الطريق لنيل الحرية مهما كان ثمنها غال من دماء وأرواح أبناء فلسطين والأمة العربية .

ولقد تمثلت افدح خسائرنا بارتفاع  عدد الشهداء  الذي تكبدناه منذ بدأ القتال حتى يومنا هذا والذي بلغ 17997شهيدا و 49229 مصابا  في غزة و 275 شهيدا في الضفة الغربية جلهم من الأطفال والنساء هذا غير المفقودين والذين مازالوا  تحت الأنقاض والذين سيقتلون ويجرحون في الأيام القادمة للحرب .

 إن  عمليات الإبادة الممنهجة التي يقترفها الكيان الصهيوني الإسرائيلي  بالوكالة عن الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب المتصهينة ضد أبناء غزة واطفالها هي عمليات تحييد وتجميد  للتفوق الديموغرافي الفلسطيني على أراضي فلسطين المحتلة الذي وصل إلى (7.5)  مليون مواطن  فلسطيني مقابل ( 3 .7 )  من رعايا دولة الإحتلال الصهيوني …  ناهيك عن مخططات العدو الصهيوامريكي لحشر ماتبقى من فلسطيني غزة ويبلغون 2.5 مليون مواطن فلسطيني  في شريط ضيق بمدينة  رفح بمحاذاة الحدود المصرية حيث ستأكلهم الأمراض ، وياكلهم الجوع ، والفقر ، وغياب العناية الصحية ،  وتوفر فرص التعليم والعمل مما يجعلها منطقة غير صالحة للعيش بسبب عدم توفر كل أسباب الحياة فيها و يجعلها منطقة طاردة للسكان فيها  … واغلب الظن أن تم هذا السيناريو فإن قرار الرسمي في  مصر  سيقبل بتهجيرهم  القسري إلى سيناء حتى تتمكن أمريكا واعوانها من تنفيذ مخططاتهم الشيطانية والإقتصادية في المنطقة والتي يقف على رأسها إنهاء القضية الفلسطينية بتفريغ كامل جغرافيا فلسطين من سكانها الأصليين .

و إن لم تتدحرج الأمور إلى تغييرات في المواقف العربية والإسلامية تحت ضغط تململ الشارعين العربي والإسلامي الذي بدأت بوادره تلوح بالأفق ، أوخجلا من فعالية وعظمة  حراك الشارع الأمريكي الشاب ، وشوارع دول أوروبا ، و معظم دول العالم التي شهدت انحيازا كبيرا لصالح قضية الشعب الفلسطيني ، وهي شوارع لايمكن وقف حراكها فيما يتعلق بالقضايا التي تؤمن بها وتساندها.

خسرنا كثيرا من الكرامة وعدم الإحترام لأنفسنا واحترام الآخرين لنا … فكيف لنا أن نرضى عن مواقفنا وقد تركنا أبناء جلدتنا يواجهون حملة إبادة شاملة على مدى 65 يوما حتى الآن بدلا من الوقوف صفا واحدا أمام كل قوى البغي الظلامية للدفاع عن الشعب الفلسطيني الصابر  البطل و حركة حماس المقاومة بإعتبارها حركة تحرر وطني فلسطيني تسعى لتحرير أرضها ومكانتها ،حيث كان من  واجبنا أن نمكنها من الاحتفاظ بإنجازها ونصرها الذي حققته يوم 7 أكتوبر ،  لا سحب البساط بصمتنا من تحت قدميها .

خسرنا أن تركنا عدونا الصهيوني يحول حاضرة كغزة هاشم من مدينة مزدهرة عمرانيا وثقافيا واقتصاديا رغم حصارها الطويل إلى مكان لا شيء صالح للحياة فيه .. مصنف وفق تصنيفٍ صادر عن  اليونيسيف كأخطر مكان في العالم بالنسبة للاطفال حيث ان أكثر من مليون طفل فلسطيني  هُجروا قسرا من  منازلهم  إلى العراء بلا ماء ولا غذاء ولا عناية صحية ولا تعليم او أي بصيص امل بعودة مياه حياتهم  إلى مجاريها السابقة فيه  .

وقد خسرنا إقتصاديا من تعطل حركة التفويج السياحي لمرافقنا السياحية ، وتعطل حركة النقل البحري والجوي ، والتبادل السلعي بسبب الحرب واكتظاظ البحار بالبوارج وحاملات الطائرات ، ولاننا  سابقا تركنا عدونا  الصهيوني يعربد في طول الوطن العربي وعرضه بإعتدائاته  العسكرية وإغتيالاته لرجالات فلسطين  والامة العربية ومفكريها وعلمائها  ومناضليها ،  وبالتماهي مع مخططاته الإستعمارية المدعومة امريكيا بالسيطرة على الأرض والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وباقي الأراضي الفلسطينية ، وتمكينه من جر دول الأمة العربية للتطبيع معه مما أدى إلى  خسارتنا إقتصاديا بالأمس واليوم وغدا وفي كل حين ،  لانهم قوم  يخربون كل بلد يدخلون إليه فيسيطرون على قطاعات المال والمصارف  والإستثمار والسياحة والنفط  والطاقة  والصناعات الكمالية .

هذا غيض من فيض خسارتنا ولكن ماكسبناه  من حرب غزة  فكثير :

– إن معركة طوفان الأقصى كسرت شوكة العدو الصهيوني ، ودمرت كل الصور التي رسمها لهويته أمام دول العالم ، فهو اليوم عنصري ، مستبد ، مهزوم ، ضعيف، قاتل للأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين المسالمين .. مخادع يعتمد الكذب والتضليل نهجا لخطابه الإعلامي .

– معركة طوفان الأقصى صنعت تلاحما عالميا وتأييدا غير مسبوق خاصة بين فئة شباب العالم لصالح القضية الفلسطينية ، و مقاومة الكيان الصهيوني والوقوف ضده .. واكبر دليل على ذلك  الإضراب العالمي الذي يلتئم اليوم في معظم دول العالم الحر المعارض للعنصرية والإبادة الجماعية التي تقترفها دول الشر الصهيوامريكي ضد الشعب الفلسطيني وللتنديد بالفيتو الأمريكي المعارض لقرار مجلس الأمن بوقف الحرب على غزة .

– معركة طوفان الأقصى بررت لدول العالم وعلى رأسها الأردن والدول العربية الإنفكاك من الإتفاقيات  الإقتصادية وإتفاقيات السلام و التطبيع مع العدو الصهيوني  ، فمكنت  الأردن  مثلا من عدم توقيع إتفاقية الطاقة مقابل الماء ، والعمل على مراجعة إتفاقية  الغاز  ، والسير قدما بتوجيهات ملكية بتنفيذ مشروع الناقل الوطني بشكل منفرد ومستقل  والإنتباه إلى عدم ربط الإقتصاد الأردني بإقتصاد كيان مخادع لا يفي بالعهود ولا يحترم الإتفاقيات .

– معركة طوفان الأقصى كشفت مخططات قوى الشر الصهيوامريكية تجاه منطقتنا ، كما كشفت نظرتهم الدونية للعرق العربي ، و عدم تورع هذه القوى من إبادتنا وتدمير أسباب الحياة في بلادنا ، وتدمير كل ما حققناه عبر السنين من تطور عمراني وإقتصادي وعلمي ، بل أنهم يهددون بإعادتنا للعصور الغابرة في أي منازلة تتاح لهم معنا .

– كشفت معركة طوفان الأقصى بشاعة فكر الحركة المسيحية الصهيونية ، وكشفت سيطرتها على مفاصل القرار الأمريكي الذي يحقق مصالحها ” علما ان المسيحية الصهيونية هي حركة سياسية لاتمت بأي صلة للديانة المسيحية ويرفضها مسيحيو الشرق بإعتبارها تعادي اوطانهم وامتهم العربية ، وهي حركة تدمج بين الدين والسياسة وتعتمد في فكرها على العهد  القديم  الذي عمل  على تأسيس دولة الكيان الصهيوني ” دولة لشعب بلا أرض ”  وهي تنكر على الشعوب الاخرى حقها في الحياة والتحرر .

– معركة طوفان الأقصى الحقت  أضرارا  وخسائر فادحة  بإقتصاد الكيان الصهيوني وبقدرته على الاحتفاظ ببقاء مستوطنيه في فلسطين المحتلة حيث تنمو القناعة لديهم بعدم صلاحية هذا الكيان للعيش الرغيد الآمن الذي حلموا فيه وتم إغرائهم بالمكاسب المالية والمعنوية للقدوم إليه ،الأمر الذي أدى إلى هجرة عكسية إلى خارج الكيان الصهيوني ” 370 الف إسرائيلي غادروا إلى دول خارج إسرائيل ”  وهجرة داخلية بعيدا عن خطوط التماس مع مناطق الصدام المسلح في غلاف غزة وجنوب لبنان أدت إلى نزوح 70  الف إسرائيلي من المناطق الحدودية إلى وسط إسرائيل  .

وبالامس طالعتنا الاخبار بأن منع الحوثيين وصول السفن المتوجهة لدولة الكيان أدى إلى  منع وصول سفن تحمل عددا كبيرا من السيارات لإسرائيل

– ادت معركة طوفان الاقصى وفق نتائج إستطلاع لمركز الزيتونة للابحاث والدراسات  الى تعظيم التأييد الذي يحظى به الفلسطينيون في وسائل التواصل الاجتماعي في مختلف دول العالم حيث أن تأييد الفلسطينيين في وسائل التواصل  الصينية يعادل 15 ضعف التأييد لإسرائيل”

كما أدت  إلى  تراجع نسبة المطالبين بدعم “إسرائيل” في الولايات المتحدة  من 41% (عند بداية معركة طوفان الأقصى) إلى 32% (بعد 41 يوم من المواجهة)، كما أن 68% من الأمريكيين يؤيدون وقف إطلاق النار خلافاً للموقف الرسمي الأمريكي والإسرائيلي، كما أن الذين طالبوا باتخاذ أمريكا موقفاً محايداً ارتفع من 27% إلى 39% في فترة القياس نفسها التي أشرنا لها.

وادت المعركة إلى تغيير  موقف اليهود في العالم ومشاركتهم في المظاهرات المناهضة لإسرائيل  في الولايات المتحدة

4. أشار تقرير لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي إلى أن عدد المظاهرات المؤيدة لـ”إسرائيل” والفلسطينيين في العالم خلال الفترة 7-27/10/2023 هو على النحو التالي:[18]

أ. في الولايات المتحدة: جرت 182 مظاهرة مؤيدة لـ”إسرائيل” مقابل 402 مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ومعارضة لـ”إسرائيل”.

ب. عدد المظاهرات المؤيدة لـ”إسرائيل” في كل العالم خلال الفترة نفسها هي 359 مظاهرة، مقابل 3,482 مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين.

ج. تشير دراسة أخرى إلى أن عدد المظاهرات خلال الفترة نفسها كان 3,761 مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين مقابل 529 مؤيدة لـ”إسرائيل”، أي أن التاييد هو نحو 86% لصالح الفلسطينيين.

6. أدت عملية طوفان الأقصى إلى إعادة الموضوع الفلسطيني إلى صدارة القضايا الدولية بعد أن بدأت مشكلات دولية أخرى تؤثر على العناية بها، مثل الأزمة الأوكرانية، واحتمالات المواجهة الأمريكية والصينية حول تايوان ، وحول الدور البريطاني في الحرب طالب 37% منهم بموقف حيادي لبريطانيا، و16% يطالبون بعدم التدخل بأي شكل، وطالب 13% بتأييد “إسرائيل” مقابل 12% لتأييد الفلسطينيين. لكن الملفت للانتباه في هذه النتائج هو ما يلي:

• تأييد من هم في عمر 18-34 عاماً الفلسطينيين بنسبة 23% مقابل 7% لـ”إسرائيل”.

• أما من هم بين 55 و75 عاماً فيميلون لتأييد “إسرائيل” بنسبة 22% مقابل 4% .

مقالات ذات صلة