وأخيراً: ما الفساد؟.. حسني عايش

ربما قلت وأنت تقرأ هذا العنوان أنه كان يجب البداية به، وأنا أقول لك: إن رأيك هذا صحيح ولكنني أردت إشراكك في هذا الموضوع عبر المقالات السابقة، لأصل وإياك في فهم مشترك له.

إنه سؤال مهم جداً يجب علينا طرحه قبل اعتبار أمر ما فساداً أو رشوة: ما الفساد؟ ما حدود الفساد؟ هل هو كل حالة يتم فيها تقديم منفعة أو مقابل للقرار الرسمي أو للخدمة الرسمية؟ هل تشمل هذه الحالة أي منفعة أو فائدة تحققت أو وُعد بها؟ ألا يجب علينا إثبات نية الرشوة عند “الراشين” “ونية” الارتشاء عند “المرتشي”؟ هل تعتبر الهدية للموظف رشوة وإن لم يقصد مُقدمها التأثير بها على قراره، ومتقبلها التأثر بها فيه؟
وكما ترون يصعب تعريف الفساد أو تحديده بتعريف جامع مانع يغطي كل أشكاله أو حدوده. إن تعريفاً جامعاً للفساد يثير عدداً من الإشكالات:، أولا اختلاف مفهومه أو مضمونه وحدوده في القانون عنهما عند الرأي العام. وثانيا اختلاف المفهوم أو المضمون أو الحدود بين شعب وآخر، بل بين وقت وآخر عند الشعب نفسه.
لذلك يرى جون جاردنر أن وضع تعريف للفساد يفرض البحث عنه في ثلاثة ميادين وهي: ميدان القانون؛ وميدان المصلحة العامة؛ وميدان الرأي العام؛ فإذا قلنا أن الفساد الذي يمارسه موظف عام انحراف عن متطلبات القانون، أو هو انتهاك للقانون، فإن هذا التعريف يطرح السؤال التالي: ماذا لو كان الانحراف أو الانتهاك يخدم المصلحة العامة؟ ماذا لو كان الرأي العام يُحرّم الانحراف أو الانتهاك للقانون، ولكن القانون لا يُحرمّه؟
يعتبر فعل الموظف العام الذي يرتكب مخالفاً للقانون أو ينتهكه أو يسيء التقدير في اتخاذ القرار بموجبه في نظر أصحاب المصلحة العامة في قياس الفعل، فساداً إذ ألحق الضرر في المصلحة العامة حتى وإن كان قانونياً. أما إذا كان الفعل مفيداً لها فهو ليس فساداً حتى وإن خالف القانون.
نحذر إذن من الافتراض أن كل شيء قانوني هو أخلاقي. كما ننبه إلى أن توسيع مفهوم المصلحة العامة يثير مشكلات جوهرية بل ونزاعاً حول القيم التي يجب أن تعتبر أو يقاس الفعل في ضوئها.
وبالنسبة إلى الرأي العام نقول: إن الناس في كل مجتمع يسترشدون بالثقافة السائدة لإصدار أحكامهم أكثر من استرشادهـم بالقانـون مما يخلـق فجـوة –أحياناً– بين تعريف القانون للفساد، وما يراه الناس فساداً: ولأن الناس يفعلون ذلك فإن مخالفتهم للقانون تكثر. ولعل ذلك واضح جداً في المخالفات المرورية والجمركية. وعندئذ تصبح مكافحة الفساد صعبة، أو -على الأصح – صعبة بمقدار اتساع الفجوة. ولما كان الأمر كذلك فإن من الأهمية بمكان فهم الرأي العام للقانون أو تنويره به من أجل تطبيق فعال له.
لكن الأستاذ مايكل جونستون يحذرنا من الوقوع في عدد من الإشكالات الناجمة عن محاولتنا قياس الفساد بالرأي العام فقط: 1 – لأنه متذبذب، فعند اكتشاف فضيحة من الفساد يقوى، وبمرور الوقت يضعف وربما يتسامح. 2 – إشكالية أو صعوبة تحديد من هو العام: هل هو كل واحد أم الذين استجابوا للإستبانة؟ هناك عاموّن كثر لا يتفقون على رأي واحد.
لعل هذه الحالة المعقدة هي التي جعلت عالماً سياسياً مثل أرنولود هيدنهايمر يميّز بين ثلاثة أنواع من الفساد وهي: الفساد الأسود ويكون إذا طالب الرأي العام بإنزال العقوبة بالفساد باعتبار ذلك مسألة مبدأ؛ والفساد الرمادي ويكون إذا طالبت النخبة عادة وعناصر من المجتمع بإنزال العقاب بصاحبه بينما بقي الرأي العام متردداً؛ والفساد الأبيض، ويقاس بعزوف أكثرية النخبة والرأي العام عن المطالبة بإنزال العقاب بصاحبه.
في ضوء ذلك يمكن تعريف الفساد بتعريفات عدة:
1 – إساءة استخدام السلطة أو استغلالها لمصلحة شخصية.
2 – حرية التقدير في اتخاذ القرار بغياب المسألة. 3 – انحرافات في السلوك عن متطلب الواجبات الرسمية المقررة في القانون أو انتهاكه. 4 – الإساءة السّرية اللاقانونية في استخدام السلطة.
5 – الانحراف عن معايير السلوك الاجتماعي. 6 – إلحاق الضرر بالمصلحة العامة لحساب المصلحة الشخصية.
إذا اجتمعت الفسادات الخمسة وهي الفساد السياسي؛ والفساد الإداري؛ والفساد المالي؛ والفساد القضائي؛ والفساد الأخلاقي في دولة قضت عليها لا محالة.

مقالات ذات صلة