وقفات مع مقال الملك في “واشنطن بوست”

د. نهلا المومني

حرير- يأتي المقال الذي نشر في صحيفة الواشنطن بوست مؤخرا لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في اطار جهود لا تكل ولا تمل لوقف العدوان الآثم على أشقائنا في قطاع غزة من قبل جلالته. جهود حثيثة في ظل صمت شبه عالمي رسمي وعلى أقل تقدير حديث متواضع خجول حول الانتهاكات الإسرائيلية.

في ظل ذلك كلّه لم يتغير موقف الأردن ملكا وحكومة من تكرار أنّ ما يحدث هو حرب تفتقد للأخلاق والشرعية والإنسانية، وما تبع ذلك من إجراءات مستمرة على الصعيدين الإقليمي والدولي. أما المقال الملكي مؤخرا فهو أحد الرسائل المهمة الموجهة للعالم وللآخر الذي تستحوذ الرواية الإسرائيلية على مفاهيمه ورؤيته لما يحدث، هذه الرسالة التي نفتقد في عالمنا العربي لخطابات تبنى على منهج يحاكي المنطق والقانون والإنسانية ويشخص واقع الحال ويتنبأ بالمستقبل.

ما ينبغي التوقف عنده مطولا في مقال جلالة الملك عبدالله الثاني في صحيفة واشنطن بوست المنشور في الرابع عشر من شهر تشرين الثاني تشخيص الحالة العالمية الأخلاقية والإنسانية بصورة واضحة ودون مواربة وهذا ما عبر عنه عندما أشار إلى أنه «وفي هذه العملية تحول الوضوح الأخلاقي الذي ينبغي علينا أن نتقاسمه بشأن القيم الإنسانية الأساسية إلى ارتباك أخلاقي». ويتابع المقال ليوجه العالم نحو بشاعة المشهد من خلال حقائق ثابتة إلى انَه تم «.. قتل أكثر من 11 ألف فلسطيني بسبب القصف الإسرائيلي العشوائي على غزة، ويلقى آلاف الأطفال حتفهم تحت انقاض المنازل والمدارس والمستشفيات المدمرة في غزة.. وباسم إنسانيتنا المشتركة، كيف يمكن قبول مثل هذه الأعمال الوحشية وجرائم القتل؟.. إن المعاناة الإنسانية والتوترات العالمية التي نعيشها اليوم تحثنا على الالتزام بمعايير الإنسانية قبل أن نصل إلى نقطة الانهيار الأخلاقي للجميع».

وهنا وكعادة جلالته في مزج الأخلاق بالإنسانية وبالقانون ومن ثم طرح البدائل والمسارات العملية للمضي قدما أشار جلالته إلى أن الأمر يبدأ «بالاعتراف بواجبنا ليس في فرض التدخل الإنساني ووضع حدّ لهذه الحرب الفظيعة، ولكن أيضا الاعتراف بأن المسار الحالي ليس طريقا إلى النصر لأي شخص وبالتأكيد ليس طريقا يسترشد بالوضوح الأخلاقي».

ولأن الأرض لا بديل عنها، كان جلالته واضحا في أنّ « العائلات الغزية التي يتم قصفها واخراجها من منازلها هي ضحايا هذا العقاب الجماعي، ولا يوجد لها مكان تلجأ إليه؛ لم يعد هناك مستشفى ولا مدرسة ولا مبنى للأمم المتحدة آمنا بعد الآن، ولا يخطئن أحد فإنّ سكان غزة لن يتركوا منازلهم لان منشورًا أو رسالة نصية تأمرهم بذلك، إنهم يعلمون أنّ المغادرة تعني فقدان الأمل والكرامة وفرصة العودة إلى أرضهم، لقد رأوا ذلك يحدث لأمواج وأمواج من زملائهم الفلسطينيين وأسلافهم طوال العقود السبعة الماضية من هذا الصراع».

هذه اضاءات ووقفات مع المقال الذي يحمل بين مضامينه توازنا عالميا وفكريا، ورؤية يحتاج الوضع الراهن للبناء عليها وتبنيها، وقبل هذا وذاك مقال يضوج بالقيم الإنسانية والأخلاقية، فلا ننسى أنها الأساس الذي بنيت عليه ابتداء القواعد الوضعية؛ فالقانون بشقيه الداخلي والدولي ما هو إلا انعكاس لقيم إنسانية مشتركة وقواعد أخلاقية قررت المجتمعات في اطار عقدها الاجتماعي أن تضفي عليها الطابع الإلزامي حفظا للحقوق والحريات.

مقالات ذات صلة