كل الفلسطينيين أعداء يجب طردُهم

سمير الزبن

حرير- بدأت إسرائيل حربها الوحشية على غزّة، وهي لا تملك إجابة عن سؤال اليوم التالي للحرب، كما تردّد كثيراً في وسائل الإعلام. ولأن الحرب امتداد للسياسة، فإن إسرائيل، رغم كل الضجيج الإعلامي، أعتقد أنها تملك خطةً غير معلنة لهذا اليوم. ولأن هذه الخطة غير قابلة للتسويق، لأنها تُعتبر جرائم حرب، تُبقيها مخفيّة، وهذا لا يعني أنها قادرة على تنفيذها، فهي ستبحث خلال الحرب ما يمكنها تنفيذه منها. الخطة واضحة، تقوم على تطهير عرقي للفلسطينيين، لأن كل الفلسطينيين أعداء في قطاع غزّة يجب إبعادهم عن الحدود وطردهم إلى الخارج، وإلى سيناء تحديداً، وبذلك يتم إبعاد خطرهم عن إسرائيل، طالما أن كل وسائل الحصار والحروب المتكرّرة على القطاع سابقاً، لم تمنع هذا الخطر، لم يعد هناك خيار غير الطرد.

حدّدت إسرائيل أهداف هذه الحرب بشقين: “إعادة المخطوفين” حسب التعبيرات الإسرائيلية، والقضاء على حركة حماس. إذا كان الهدف الأول واقعياً، من الممكن الوصول إليه بالمفاوضات غير المباشرة مع “حماس” في عملية تبادل مع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، إلا أنه لا يمكن إطلاقهم بعملية عسكرية برّية واسعة كالتي تقوم بها إسرائيل، لأنها قد تكلف أرواح أغلبهم إن لم نقل كلهم. ويبدو تمهّل إسرائيل في بدء حربها البرّية، بسبب وجود مفاوضاتٍ غير مباشرة مع “حماس” من أجل إطلاقهم، أو أن الحكومة تريد الإيحاء للشارع الإسرائيلي أنها بذلت الجهود الكافية من أجل إطلاقهم، وأنها تضطرّ لخوض حربها، مع حزنها الشديد على من يمكن خسارتهم تحت نيران هذه الحرب.

الهدف الثاني مموّه، لأن “حماس” ليست قوّة عسكرية تقليدية من الممكن القضاء عليها بتدمير قواتها وآلياتها ومقاتليها عبر أدوات الحرب التقليدية، وكأنها قوّة منفصلة عن المجتمع الفلسطيني. وأقول هدفا مموّها أيضا، لأن أصواتا كثيرة في إسرائيل تساوي بين “حماس” والشعب الفلسطيني في غزّة، في مقدّمة هذه الجوقة وزير الزراعة آفي ديختر، وهو رئيس سابق لجهاز الشاباك (المخابرات الداخلية)، الذي قال في الأيام الأولى للحرب، “إن عهد وجود أبرياء في غزّة انتهى إلى غير رجعة. والحرب الحالية ليست جولة أخرى، بل معركة حقيقية لتغيير الأمور رأساً على عقب”، وللمطابقة بين الفلسطينيين وحركة حماس كعدو هدف سياسي واضح، سواء عند القائلين بذلك، أو عند الذين يعتقدون ذلك في الحكومة والجيش الإسرائيليين ولا يصرّحون به علناً، والخطاب الذي يؤسّس لاستباحة قطاع غزّة ومن فيها، لأن كلهم إرهابيون، وكلهم شركاء في هجوم “حماس” على غلاف غزّة، والذي أودى بحياة مئات الإسرائيليين. وهذا مدعومٌ بفتوى الحاخامات في إسرائيل، التي تُجيز المسّ بالمدنيين في قطاع غزّة. ويتكامل هذه الموقف، مع دعوات إسرائيلية أخرى، تدّعي حماية المدنيين الفلسطينيين في العمليات العسكرية التي ترتكبها القوات الإسرائيلية في قطاع غزّة، وحتى يتم تجنيبهم مخاطر الحرب، عليهم المغادرة إلى خارج قطاع غزّة، وإلى سيناء تحديداً، ينتظرون هناك حتى انتهاء الحرب. وبات من المعروف أن هناك ضغوطاً أميركية وأوروبية كبيرة على مصر من أجل استقبالهم في سيناء، ونتنياهو ذاته قد طلب من الأوروبيين الضغط على مصر من أجل قبول استقبالهم، في وقتٍ يسعى الأوروبيون إلى الوصول إلى اتفاقاتٍ مسبقةٍ مع مصر لمنع أي هجرة جديدة من الفلسطينيين إلى أوروبا في حال دخولهم إلى سيناء، حتى لا تكون نتيجة ذلك موجة لاجئين جديدة إلى البلدان الأوروبية تُفاقم من أوضاعها. وهناك أخبار عن إغراءات مالية لمصر بإعفائها من بعض الديون في حال وافقت على استقبال الفلسطينيين.

تستكمل الصورة نفسها، بحظر دول أوروبية أي تضامنٍ مع الفلسطينيين في قطاع غزّة، وبمنع استعمال الرايات والرموز الوطنية الفلسطينية في الاحتجاجات التي تشهدها المدن الأوروبية بزعم أنها تدعم “إرهاب حماس”، وهو يعني شيطنة كاملة للفلسطينيين، ووصمهم جميعاً بتهمة الإرهاب، ليس من إسرائيل فحسب، بل ومن دول غربية كثيرة، وهو ما يجعل هذه الشيطنة غطاءً كاملاً للجرائم الإسرائيلية التي تُرتكب في قطاع غزة.

لا تخوض إسرائيل حربها على الفلسطينيين في قطاع غزّة بأدوات القتل العسكرية فحسب، بل هي تحاصر القطاع أيضاً بطعامه وأدويته ووقوده أيضاً، حيث بدأ كل شيءٍ يشحّ ويُفقد في القطاع، والمساعدات التي تدخل إلى القطاع بالقطّارة لا تكفي، وسرعان ما سيتسبّب هذا الحصار في جوع سكّان غزّة، وعدم حصولهم على الحد الأدنى من وسائل العيش.

منذ الأيام الأولى للحرب، طلبت إسرائيل من سكّان شمالي غزّة التوجه إلى جنوبه. وستحاول دفع الذين لم يستجيبوا للنداء إلى الجنوب، عبر العملية العسكرية، الواضح أنها تستهدف بشكل أساسي تجريف السكّان، وهذا ما سيزيد من الوضع مأساوية. وفي حال استمرار العملية العسكرية باتجاه الجنوب، سيُوضع الناس في حالة يأس، ما سيدفعهم إلى تحطيم الجدار والدخول إلى سيناء كما جرى في العام 2008، عندما اقتحم آلاف الفلسطينيين الأراضي المصرية ليشتروا حاجاتهم من رفح المصرية والعريش، بعد الحصار الخانق الذي فرضته إسرائيل على القطاع، ولكن هذه المرّة، سيكون على نطاق أوسع.

كل حالة حربٍ تدفع المدنيين إلى الهرب من القذائف للنجاة بأنفسهم وبأولادهم، ولا يختلف الفلسطينيون في هذه الحالة عن الآخرين، لكنهم ممنوعون من التصرّف كالناس الطبيعيين، ليس لأنهم يعيشون في سجنٍ مغلقٍ بالجدران اسمُه قطاع غزّة، يحاصره الإسرائيليون من الجهات الأربع، وتنشر آلتهم العسكرية مخالبها وقذائفها في قلب التجمّعات السكّانية فقط، بل ولأنهم، إذا ما غادروا أماكنهم، لن يُسمح لهم بالعودة إلى بيوتهم أيضاً، وتهدف سياسة الأرض المحروقة التي تتّبعها إسرائيل في حربها على قطاع غزّة، إلى جعل عودة أهالي غزّة إلى بيوتهم مستحيلة.

يكمن مخطّط اقتلاع إسرائيل للفلسطينيين في ثنايا الحرب الإسرائيلية على غزّة، يحاولون تمرير هذا المخطّط تحت انفجار القذائف التي تقع على رؤوس المدنيين، وعبر جرائم حرب يصمت عنها العالم “المتحضر” باعتبارها “دفاعاً عن النفس” وكأن الفلسطينيين هم الذي يحتلون إسرائيل ويحاصرونها حصاراً خانقاً.

إنها جريمة مشهودة يتواطأ عليها العالم “المتحضّر” مع المجرم، لإنتاج نكبة بتهجير جديد للفلسطينيين على مرأى هذا العالم المنحاز والداعم للمجرم، الذي يرى ويحمي جرائم الحرب والتطهير العرقي الذي تمارسه إسرائيل بحقّ الفلسطينيين، ويطلب منهم أن يرضوا بمصيرهم، وأن يكونوا مسالمين.

مقالات ذات صلة