حصبتنا هيبتنا

سائد كراجة

حرير- نحتاج التفاعل المجتمعي مع كل قضايا الوطن، الرأي العام طريق رقابة فعّال على أداء الحكومات، وما يحتاجه موظفنا العام والحكومات عموما تدريب حرفي على التعامل مع النقد العام والرأي المعارض لأدائهما، فأغلب ردود أفعال الحكومات على هذا التفاعل بما يتضمنه من معارضة ونقد لعملها، هو سلطوي مستمد من العبارة المشهورة «إنت بتعرف مع مين بتحكي» ؟! ومن جانب آخر لا يتفهم كثير منا أن التفاعل وإبداء الرأي بحرية يقتضي الدقة والعلم والمعرفة، وتوفر نيّة تحقيق النفع العام وتحمّل مسؤولية الالتزام بتحقيق المصلحة العامة! وخاصة في القضايا العلمية مثل التطعيم والصحة، فهناك فرق بين المثقف في موضوع ما وبين المختص والمرخّص به. فالقدرة على تجهيز بحث على جوجل في موضوع طبي مثلا لا يؤهلنا لإعطاء وصفه طبية لمريض!

وفي جدل مطعوم الحصبة، رسب كثيرون في الامتحان، وأول من رسب بعض وسائل الإعلام، فالإعلام ليس لنشر الآراء على الرأي العام، دون تثقيف بخصوص هذا الموضوع و/أو ما تم نشره، «شخص يقول على محطة إعلامية إن التطعيم غير معتمد من منظمة الصحة العالمية لأنه موصوف بأنه «prequalified»؛ سقطة علمية خطيرة، حيث إن بحثا بسيطا على جوجل يبين أن وصف العقار بهذه الكلمة يعني علميا بأنه قد مر بمراحل اختباره وتجربته وأخذ موافقة منظمة الصحة العالمية.

شخص يقول إنه يرفض المطعوم فقط لأنه هندي، هذا خطاب عنصري بغيض، لا يجوز أن يترك دون الرد عليه وعلى عنصريته، وواجب الإعلام على الأقل إعلان تحفظه على هكذا عبارة!

حكوميا هكذا حملة تحتاج أولا إلى الجهر بحقيقة وجود إصابات بالحصبة في الأردن وخطورة ذلك، وبحقيقة أرقام ملف التطعيم في الأردن، الذي يشير إلى أننا تراجعنا في ملف التطعيم، ربما ذلك من آثار التركيز على ملف كورونا، ولا يتوفر لدينا إحصائيات أو معلومات عن المطعمين من غير المطعمين، نعم ونحتاج شجاعة الاعتراف للناس بأي تقصير- إن وجد- لا بديل في العمل الحكومي عن المصارحة بجميع الحقائق، وأولها أي تقصير أو خلل في الأداء الحكومي، هذا ما يولد الثقة ويرفع من مصداقية الأداء الحكومي!

أنا شخصيا أثق بوزير الصحة ووزير التربية والتعليم بهذا الصدد، باعتبارهما خبراء وليس باعتبارهما وزراء فقط في حكومة، وهذه ميزة أن يكون في الحكومة أشخاص لهم مصداقية شخصية وعلمية، ولهذا اعتبر المطعوم معتمدا وآمنا وضروريا حسب تأكيدهما.

سندا لقانون وتعليمات الصحة يجوز لوزير الصحة فرض التطعيم، وشهادة التطعيم متطلب للتسجيل في رياض الأطفال، وإذا أخذنا المادة 4 والمادة 11 من قانون الطفل، فيجوز للوالدين رفض أخذ المطعوم من خلال المدرسة باعتبار هذا الإجراء هو التدبير الذي اتخذه الوزير للوقاية من الأمراض المعدية والخطرة، إما لسبق الحصول عليه أو لرغبة الأهل بتوفيره على حسابهم ومن خلال طبيب الأسرة مثلا، وهذا ما ورد في المادة 28/أ من قانون الصحة التي نصت على أنه: (أ. على والد كل مولود أو الشخص الموكول أمره إليه أن يراجع أيا من المراكز الصحية التابعة للوزارة أو أي مركز تطعيم تعتمده الوزارة أو أي طبيب معتمد لتطعيم الطفل باللقاحات المدرجة ضمن البرنامج الوطني للتطعيم ووفق التعليمات التي تصدرها الوزارة، وعلى الشخص الذي قام بعملية التطعيم أن يصدر شهادة تطعيم يسجل فيها المطعوم المعطى للطفل وتاريخ إعطائه..).

إن ممارسة الديمقراطية تحتاج إلى تدريب وتغيير في ذهنية الموظف العام والحكومة بأن سلطتهما ليست أبوية مطلقة، وهما كخادمين للشعب يحتاجان إلى أن يحترما رأي وعقل وذهن الشعب، وأن يجهدا في أن يكونا مقنعين بالمعلومات والشفافية والمصارحة والاعتراف بالهفوات والأخطاء، وأيضا يحتاج إلى تغيير ذهنية المعارضة أنها ليست فقط مماحكة للحكومة أو الوزير، فالمصلحة العامة أسمى من النزاعات الشخصية.

أخيرا افتقدت موقف الأحزاب والنقابات، التواري خوفا من أخذ مواقف غير شعبوية أمر غير مبشر! فالأحزاب والنقابات لكل مناحي الحياة، وليس بالمواقف السياسية وحدها يحيى الإنسان، مع أنه كل شيء سياسة، مثل ما بتعرف جنابك!

مقالات ذات صلة