السجال بين الحكومة وشركات الاتصالات: حين تصبح الاولويات مبهمة والمستهلك ضحية

بهاء العرموطي / محامي و مستشار قوانين التنافسية

 

إذاً مع كل هذه التحذيرات “الوزارية” بتحويل شركات الاتصالات الى المدعي العام، لاتفاقها الاخير على رفع أسعار خدماتها بما يخالف قانون المنافسة، الا انه لم يحدث شيء.

ثم جاء بيان هيئة الاتصالات ردا على تصريحات شركات الاتصالات، تحاول فيه تبرئة ساحة الحكومة وسياساتها الضريبية من ارتفاع اسعار خدمات الاتصالات، الا ان البيان أثنى بشكل غير مباشر على شركات الاتصالات لانها ادخلت للخزينة 2 مليار دينار، ومن ثم “أشار” الى ان الشركات خالفت قانون المنافسة؛ مما استدعى توجيه “كتاب” لها من قبل وزارة الصناعة والتجارة!

لذا نستخلص من كل هذا ان الحكومة قامت فقط بتوجيه كتاب لشركات الاتصالات، في حين أن الاجراء القانوني للمخالفة هو تحويل الشركات الى المدعي العام لغاية محاكمتها وفقا لنصوص قانون المنافسة، الذي يعاقب على الاتفاق الصريح لتحديد الاسعار بين موردي الخدمات بغرامة قد تصل الى 10% من اجمالي المبيعات السنوية لكل شركة، لكن القانون حتما لا ينص على توجيه “كتاب”!

هذا السجال بين الحكومة وشركات الاتصالات اقل ما يقال عنه انه “غير معقول” . وفي ظل كل هذه الأريحية التي تنتهجها الشركات الكبيرة في الاتفاق على زيادة الأسعار، التي تخضع “فاتورتها” ايضا لضرائب حكومية عالية، والتي يعلم القاصي والداني انها تزيد عن 55% من قيمة الفاتورة ، وفي ظل هذه “الفزعات” الحكومية “الاعلامية” في مواجهتها، فان المعادلة تصبح واضحة:

المستهلك يُنهك، والشركات تزيد من ارباحها، والحكومة تستفيد.

اما في سياق الحديث عن رفع اسعار الاتصالات، استغرب توقيت هذه الزيادة، في وقت المس فيه شخصيا تراجع خدمات الاتصالات في الاردن. لقد مر أكثر من عام على الإعلان عن التحول من شبكات 4G إلى 5G، ولكن اصبح هناك بطء كبير في الانترنت سواء على الهاتف المحمول او خطوط الفايبر. يعني مع التحول للجيل الخامس “بطلنا نشوف رابع ولا خامس!”. ناهيك عن انقطاعات المكالمات الهاتفية التي اصبحت مشكلة يومية، مما يدفع الكثيرين للاعتماد على خدمات الـ FaceTime والتطبيقات المماثلة عوضا عن خطوط الهاتف المحمول التقليدية.

هذا كله يدل بشكل واضح على عدم وجود منافسة حقيقية بين هذه الشركات تؤؤل الى تخفيض الاسعار ، او تحسين جودة الخدمات، بل على العكس، ترتفع الاسعار وتتراجع جودة الخدمات. وهذا ما نشهده حاليا بالتمام والكمال. علما ان قانون المنافسة تم تعديله مؤخرا، وتم فيه تغليظ العقوبات، الا ان هذا يعني ان هذا التعديل لم يحقق الغاية المرجوة منه بتفعيل القانون. وكما قلت في السابق، فان العقوبات كانت مغلظة في القانون الاصلي ولا داعي لتغليظها، ولكن العبرة في فرضها لا في تغليظها! فلماذا أغلِّظ عقوبة في قانون لم تطبق من الاساس!

اما الحكومة، فحتما هي لا تتحمل مسؤولياتها الطبيعية في هذا الملف. كيف لا وقد أصبحت اقصى أولوياتها رفد الخزينة والحفاظ على الاستثمارات الكبيرة “دافعة الضرائب الكبيرة”، لا حماية المستهلك. وهي اولويات مشوهة بالطبع، لان المستهلك هو أساس انعاش الاسواق وما يتبع ذلك من خلق لفرص العمل وتعظيم لفرص الاستثمار!

بلا شك الاقتصاد الرأسمالي لدينا يعاني من تشوهات كبيرة.

مقالات ذات صلة