سر الانطزاز.. يوسف غيشان

 – وين رايحة…خذينا معاكي.

كنا صغارا مثل قطاع الطرق المتفرغين للمهنة، فما أن تخرج الأم العابرة للحارات مع فيلق من نساء الحارة لغايات الزيارات وطق الحنك، حتى كنا نتعرض لها على باب الحوش:
– وين رايحة؟؟؟..خذينا معاكي
كانت الأمهات يعرفن كيف يوقفننا عند حدود الحوش الخارجية وقد فقدنا الرغبة بمرافقة الأم، وبدون استخدام العصا أو الشبشب (الزنوبة سابقا) او اية ادوات بالستية أخرى. حيث كانت الأمهات يدعين بأنهن ذاهبات الى الدكتور حتى يعطيهن إبرًا، وهذا ما كان يردعنا تماما، لأننا كنا نخاف الأطباء والإبر.
أمي كان لها عبارة خاصة، حيث كانت تقول لنا انها رايحة (تنطّزّ) إبرة ، ولا اعرف  من اين تم اشتقاق هذا الإنطزاز لغويا وبلاغيا، ولست معنيا بمعرفته. طبعا كنا نصدق تماما ادعاءات الأمهات.
وقد كبرنا، وبقينا على الهبلات نصدق اي شيء يقال لنا، ونعود الى وحل الحوش، لنلهو مع الدجاج والعقارب، ونترك الخارج للمنطزّين. ومع الزمن اختفت الأمهات والحيشان والدجاج ولم يبق سوى العقارب.
وهكذا وتحت حجة الانطزاز،  صار البعض يفعلون ما يشاؤون، ويحملون قواشين معهم «يدللون» في سوق المزادات الدولي، ويحصلون على ابخس الأسعار، لينالوا العمولات بالعملة الصعبة.
وصحونا بعد عقود لنكتشف  قد انهمكنا باللعب مع الدجاج وعاشرناه اربعين عاما حتى صرنا منه ( على راي المثل)، وأن العقارب لسعتنا من كل مكان ، ولم نعد  نهتم من هو الدكتور الذي (تنطزّ) عنده.
واذا بقينا على هالرشة، فسوف تطردنا الدجاجات من الحوش لأننا صرنا عبئا عليها.
وتلولحي يا دالية .

مقالات ذات صلة