هل انتهى شهر العسل بين ترامب ونتنياهو؟

صادق الطائي

حرير- شكّلت الأسابيع الأولى من ولاية الرئيس ترامب الثانية «شهر عسل» بين واشنطن وتل أبيب، إذ كانت وجهة نظر بعض المحللين الإسرائيليين أن في البيت الأبيض رئيسا يفهم إسرائيل ومصالحها، وينسجم مع منطق حكومة نتنياهو اليمينية، بل ويدفع بمبادرات، مثل خطة تهجير سكان غزة، تتجاوز حتى أحلام اليمين الإسرائيلي. لكن سرعان ما خف هذا التفاؤل، مفسحا الطريق للحقيقة المُقلقة، بدلا من شريك في البيت الأبيض، تواجه إسرائيل اليوم رئيسا يريد أن يفرض شروطه على العلاقة بين الاثنين. ويرى مراقبون إسرائيليون، أن إسرائيل تخضع حاليا بالكامل لأجندة دونالد ترامب، ولدهشتها، تكتشف أن ترامب لا يكتفي بكونه رئيسا للولايات المتحدة فحسب، بل يطمح أيضا إلى أن يكون رئيس وزراء إسرائيل، وحتى الآن نجح في مساعيه، حيث تقبل حكومة إسرائيل طلباته دون مقاومة، ويبدو أن نتنياهو سيتجنب المعاملة التي تلقاها زيلينسكي في البيت الأبيض، طالما استمر في الامتثال لترامب، ومع ذلك، في اللحظة التي يتوقف فيها نتنياهو عن الطاعة، فإنه سيخاطر بمصير مماثل، وهو يعرف ذلك.

في ولايته الأولى، حقق ترامب قائمة أمنيات تل أبيب، إذ اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، ثم جاء الاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، وأشرف زوج ابنته ومستشاره جاريد كوشنر على اتفاقيات إبراهام عام 2020 للتطبيع بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين ودول أخرى في الشرق الأوسط. وقد شكّلت هذه الاتفاقيات نقلة نوعية، لاسيما الاتفاقية مع دولة الإمارات العربية المتحدة، التي لم تُقدّم للإسرائيليين لأول مرة اعترافا رسميا فحسب، بل احتضانا دافئا، دون أي مطالبة بتنازلات ظاهرة في المقابل.

لذا جاءت الأسابيع الأولى من ولاية ترامب الثانية مغلفة بأماني اليمين الإسرائيلي، على أساس أنه توسط في اتفاق لإطلاق سراح عشرات الرهائن الإسرائيليين من غزة، دون إلزام إسرائيل بإنهاء الحرب، ثم قال إن الولايات المتحدة ستسيطر على القطاع، الذي كان يأمل في إخلائه من الفلسطينيين. وقد أشار شالوم ليبنر الباحث في مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي إلى أن، «بنيامين نتنياهو كان متفائلا بأن مصير إسرائيل سيكون مختلفا. فبينما كان معظم العالم يترقب تأثير عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وتداعيات تعهداته المختلفة، كان نتنياهو متفائلا بتكرار التعاون مع رئيس أمريكي يفتخر بأنه أفضل صديق لإسرائيل. لكن بعد مرور حوالي 100 يوم على دخول ترامب للبيت الابيض، يبدو أن نتنياهو بدأ يأسف للفجوة الناشئة بين ما يقوله ترامب لإسرائيل وما هو مستعد لتنفيذه فعلا». وقد أشار عدد من المعلقين على التحول الذي ظهر في الأسابيع الأخيرة بين واشنطن وتل أبيب، إذ يبدو أن ثمن التنازل عن جزء كبير من استقلالية إسرائيل لإدارة ترامب كان باهظا. وقد بدا ذلك جليا عندما استُدعي نتنياهو فجأة إلى واشنطن للقاء الرئيس في 7 أبريل 2025. كان انتظار رئيس الوزراء في تلك المناسبة بمثابة إذلال علني. ولم يُفلح إلغاء إسرائيل الاستباقي لجميع الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية في الحصول على إلغاء مقابل للتعريفة الجمركية البالغة 17% التي فرضتها إدارة ترامب على المنتجات الإسرائيلية، التي كانت تُمثل المهمة الرئيسية لنتنياهو في ذلك اليوم. كما عبّر ترامب عن عدم التزامه بخططه الأصلية بشأن غزة، قائلا، «الكثير من الناس يُعجبون بفكرتي، ولكن، كما تعلمون، هناك أفكار أخرى تُعجبني أيضا»، إلا أن أكثر ما أثار انزعاج نتنياهو هو استخدام زيارته كخلفية لإعلان ترامب المفاجئ عن أن ممثليه سيُطلقون محادثات وصفها بالـ»رفيعة المستوى» مع إيران بعد أيام قليلة، عاد نتنياهو وهو في حالة ذهول، إذ أشار بعض التقارير الواردة من تلك المفاوضات، إلى أنها قد تُسفر عن شيء مشابه لاتفاق إيران النووي، الذي تم التوصل له في عهد الرئيس أوباما، والذي كان نتنياهو يكرهه جدا.

بعد أسابيع، أفاد موقع أكسيوس، بأن ترامب يأمل في أول رحلة خارجية له الأسبوع المقبل بعقد قمة مع الدول العربية، وليس مع إسرائيل التي لا يخطط لزيارتها حاليا. ونشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، على صفحتها الأولى مقالا ينتقد ترامب بشدة، حيث وصفته بأنه يتبع «سياسة المفاجآت» تجاه إسرائيل. وأسفل المقال، نُشر رسم كاريكاتيري يُظهر ترامب وهو يُحضّر حساء لنتنياهو، الذي يجلس، وقد بدت عليه علامات الصدمة، على طاولة مطعم خلف الرئيس. توالت الصدمات، ففي 6 مايو الجاري، بعد وقت قصير من سقوط صاروخ حوثي على أرض مطار بن غوريون الإسرائيلي – ما تسبب في توقف معظم شركات الطيران عن رحلاتها إلى إسرائيل – كشف الرئيس ترامب عن اتفاق مع الحوثيين لإنهاء الضربات التي تقودها الولايات المتحدة، والتي تستهدف الجماعة في اليمن. في المقابل، سيتوقف الحوثيون عن مهاجمة السفن المتجهة عبر البحر الأحمر إلى قناة السويس. وأفادت التقارير بأن المسؤولين الإسرائيليين فوجئوا بالاتفاق، وتعهد نتنياهو «بالدفاع عن أنفسنا وحدنا». من ناحية ثانية أفادت التقارير بأن الرئيس ترامب ضغط على حكومة نتنياهو للسماح بدخول المساعدات إلى غزة، بعد توقف دام شهرين. وقبل أيام، أفادت وكالة رويترز أن ترامب لم يعد يطالب السعودية بالاعتراف بإسرائيل، كجزء من اتفاق أوسع مع الولايات المتحدة، تاركا صفقة كانت ستمثل هدف نتنياهو الأسمى مركونة. وأخيرا، ألغى وزير الدفاع بيت هيجسيث زيارته المقررة إلى إسرائيل ليرافق ترامب في رحلته إلى الشرق الأوسط.

من المستحيل التنبؤ بتحركات ترامب التالية، إذ قد ينقلب على تعهداته فجأة، لكن الدلائل تشير إلى أنه لاحظ أن نتنياهو – المُدان لشركاء الائتلاف اليمينيين المتطرفين، الذين يطالبون بأهداف حربية قصوى – لا يستطيع أو لن يُحقق ما تحتاجه المملكة العربية السعودية لضمان قفزة دبلوماسية. فإذا كان التطبيع غير وارد بسبب سياسات نتنياهو الراديكالية، فإن ترامب لا يرى فائدة تُذكر في تأجيل اتفاقه مع الرياض، وهو، بالنسبة له، انتصارٌ في سياسته الخارجية. من جانبه غرّد يائير غولان رئيس حزب الديمقراطيين اليساري، قائلا: «يسعى الأمريكيون للتوصل إلى اتفاق مع السعوديين، ويدفعون نحو اتفاق مع إيران، ويطرحون مخططا إقليميا جديدا، لكنهم لا يأخذون نتنياهو أو إسرائيل في الحسبان». وأضاف: «الرئيس ترامب، الذي اعتبر نتنياهو شريكا استراتيجيا، يدرك اليوم أن نتنياهو ليس رصيدا بل عبئا». كما باتت الرسائل المتناقضة الصادرة عن الإدارة الأمريكية تُربك المسؤولين الإسرائيليين. ففي ظهوره على برنامج «ميت ذا برس» على قناة «إن بي سي» في 4 مايو، قال ترامب إنه لن يقبل بأقل من «التفكيك الكامل» للبرنامج النووي الإيراني، لكنه سرعان ما غير موقفه مُضيفا أنه «منفتح على الاستماع» بشأن مخطط مدني، مُرددا تأكيد وزير الخارجية ماركو روبيو السابق، بأن «هناك طريقا لبرنامج نووي مدني وسلمي إذا أراد الإيرانيون ذلك». كما صرّح ستيف ويتكوف صديق ترامب في مجال العقارات والمبعوث الخاص له، لقناة «فوكس نيوز» في 14 أبريل الماضي بأن إيران «لا تحتاج إلى تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز 3.67%»، ليتراجع في اليوم التالي عن موقفه ويطالب إيران «بالتخلص من برنامجها للتخصيب والتسليح النووي».

يجد نتنياهو صعوبة في احتواء إحباطه، وقد يكون على مسار تصادمي مع ترامب في سوريا أيضا، إذ تتعارض العمليات العسكرية الإسرائيلية المكثّفة، التي يُزعم أنها للدفاع عن النفس، وعن السكان الدروز في ذلك البلد مع توجهات الرئيس ترامب المتمثلة بسياسة «وقف الحروب» ونيته في سحب القوات الأمريكية من سوريا. ولا شك أن هذ الامر سيصب في مصلحة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان – الذي هنأه ترامب في أبريل على «سيطرته على سوريا». ولا تلقى المناشدات الإسرائيلية لمنع انسحاب القوات الأمريكية من سوريا آذانا صاغية من إدارة ترامب، الامر الذي من شأنه أن يمنح تركيا حرية أكبر لتعزيز نفوذها في المنطقة، وهو أمر يثير قلق تل أبيب.

وفقا لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، بات المراقبون الاسرائيليون يرون أن ما يُسمى بـ»شهر العسل» بين نتنياهو وإدارة دونالد ترامب، قد انتهى. فما كان في السابق تحالفا وثيقا تحول إلى علاقة يبدو فيها نتنياهو وكأنه منفذ لمطالب واشنطن فقط، حيث يتخذ الرئيس ترامب قرارات استراتيجية نيابة عن إسرائيل، لذلك يبدو أن الازمة بين واشنطن وتل أبيب مقبلة لا محالة.

مقالات ذات صلة