سواليف حصيدة …جهاد المنسي

*** ولم نعد نسمع برامج تحاكي (الحج مازن) في برنامجه الإذاعي والتلفزيوني الذي كان يتحدث عن الفلاحين والمزارعين بلهجتهم ولكنتهم، لم نعد نرى تمايل سنابل القمح على البيدر، ولم يعد الزميل حاتم الكسواني يحمل الميكروفون ويجول بين مصنع ومصنع لينقل آراء عمال تعرقوا تعبا ولم تغوِهم مكيفات المكاتب، ومصانع تنتج وتصدر للخارج بسواعد أردنية.

آه كم خسرنا، خسرنا بيادرنا وقمحنا، وأكل (الباطون) حمرة ترابنا وأرضنا الزراعية، خسرنا ثروة طائلة دسنا عليها بلا رحمة أو شفقة، وانتصرت الوجبات السريعة، وقيدنا صندوق النقد والبنك الدوليان بشروطهما وطلباتهما، نرفع تعرفة المياه لو طلب، ونعيد النظر بتعرفة الكهرباء لو أراد، ونهيكل، ونخصص، ونبيع، ونشتري، وندخل في صفقات غاز وكهرباء وبترول مع دول وكيانات لا نريدها ونعرف أنها لا تريد لنا خيرا، ولكن كلام الصندوق والبنك الدوليين لا يرد، ورغباتهما أوامر، فكلاهما يمولان الخزينة، ونقترض منهما، وبين الدائن والمدين شروط إيجاب وقبول نقبل بها أو نرفضها، وفي حال القبول علينا التقيد بها بندا بندا.

مهلا .. وقبل أن يهاجمني البعض؛ فإنني أؤكد أننا نستطيع القول لا لكل طلبات الصندوق والبنك الدوليين، ولدينا كدولة القدرة على ذلك، ولدينا من القوة والعزم والإرادة أن نفعلها، ولكن علينا قبل قولها الذهاب لبناء سياسة اقتصادية حصينة تقوم على الاعتماد على الذات وبناء القدرات وتعزيز المشاريع الصغيرة والتحول من بلد خدمي لبلد يعتمد على الصناعة والزراعة، فهما عصب الاقتصاد وعجلة دورانه، وأساس قوة الاقتصاد.

لا يمكن بناء اعتماد على الذات دون أن نصبح دولة يأكل شعبها مما يزرع، ونلبس مما نصنع، نعم أيها السادة، نريد أن نستعيد (سواليف حصيدتنا) وأغاني الحصاد، نستعيد بيادرنا الذي غاب عنها القمح والشعير والذرة والعدس، نريد أن نزرع بأيدينا ونستثمر مساحاتنا الزراعية لنراها تغطي أغلب مساحات أرضنا.
غابت البيادر، فحضر الفقر، غاب القمح فحضرت الحاجة، غابت الزراعة والصناعة فحضرت البطالة، لم تعد الأيادي تعرق، ولم نعد نسمع برامج تحاكي (الحج مازن) في برنامجه الإذاعي والتلفزيوني الذي كان يتحدث عن الفلاحين والمزارعين بلهجتهم ولكنتهم، لم نعد نرى تمايل سنابل القمح على البيدر، ولم يعد الزميل حاتم الكسواني يحمل الميكروفون ويجول بين مصنع ومصنع لينقل آراء عمال تعرقوا تعبا ولم تغوِهم مكيفات المكاتب، ومصانع تنتج وتصدر للخارج بسواعد أردنية.
لذا فإننا نقولها إننا لو عدنا لما كنا عليه من اهتمام بالزراعة والصناعة فإننا نستطيع أن نقول لا لصندوق النقد الدولي وعلينا أن نقولها، وفي ذات الوقت أن نستعد للبديل، فكلمة لا سهلة وحتى نفعلها علينا جميعا كحكومة ومؤسسات مجتمع مدني ونواب وأعيان، أن نعي أن علينا التفكير برؤى خارج إطار الدائرة التي كنا نفكر فيها سابقا، وأن نخرج بتفكيرنا من الصندوق الذي حصرنا أنفسنا فيه.
نريد قادة اقتصاديين يؤمنون بأشكال مختلفة من الاقتصاد الممزوج بالرأسمالي والتعاوني والزراعي والإنتاجي، اقتصاد لا يعتمد بشكل كلي على الضرائب والخدمات، وإنما يعتمد على الزراعة والصناعة والتجارة واستغلال طاقات الشباب والمشاريع الصغيرة الإنتاجية وتخضير الصحراء والاستفادة من الطاقة الشمسية وثورة التكنولوجيا والمعلومات، وبناء القدرات.
وفي الوقت نفسه علينا الذهاب لتقشف حقيقي وليس تقشفا بالكلام فقط، تقشف يبدأ بالحكومة والنواب والأعيان، فهما من يتحملان المسؤولية، وهما من يتوجب عليهما وضع الحلول، أما نحن الشعب فقد تقشفنا منذ زمن طويل، ولم يعد بالإمكان أكثر، وبات علينا أن نسأل حكومتنا ونوابنا عن رؤيتهم المستقبلية وحلولهم السحرية لمعالجة مشاكلنا الاقتصادية والتنموية، وإخبارنا بثمن حلهم وترحالهم، وجوانب التقشف التي حصلت، ورؤيتهم لآليات تطوير الصناعة والزراعة، كما علينا معرفة أسباب سفر الوزراء وتكلفة البنزين والكهرباء وغيرها من ممارسات كان يمكن أن تساهم في إنقاص المديونية، والتوقف عن تشكيل الوفود التي تكلف ملايين الدنانير والالتفات لما هو أهم وأنجع وأفضل، فأنا أعرف أن أغلب الوفود التي تذهب للخارج تقتصر مشاركتهم فيها على واحد أو اثنين فيما يذهب الباقي لقضايا أخرى .

مقالات ذات صلة