هل أحيت السويد حلم تركيا الأوروبي؟

عمر كوش

حرير- يتبادر إلى الذهن، بعد أن أعطى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الضوء الأخضر لانضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، السؤال عما إذا جرت مقايضة الموافقة على الانضمام السويدي للحلف مقابل الانضمام التركي للنادي الأوروبي، الأمر الذي يحيي مسار انضمام تركيا الذي بدأ مع قبول ترشّحها رسمياً في 12 ديسمبر/ كانون الأول عام 1999، وبعد سنوات من التفاوض، صوّت البرلمان الأوروبي في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 على قرار تعليق مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وبرّره بالظروف التي عايشتها تركيا بعيد إعلان حالة الطوارئ، إثر محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرّضت لها في 15 يوليو/ تموز من العام نفسه.

ما يدعم إحياء حلم تركيا الأوروبي أن موافقة أردوغان على إحالة مهمة الموافقة للبرلمان التركي، وتعهّده بالدفع بهذا الاتجاه، جاءت بعد أن ربطها بالموافقة على انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، عشية انعقاد قمّة الحلف في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، وأن التطور الذي حصل جاء بعد مناقشات توصلت إلى الربط بين الملفين، على الرغم من اعتبار بعض القادة الأوروبيين أنهما منفصلان، لكن عالم السياسة أثبت مراراً أن من الممكن الربط بين مختلف القضايا والملفّات، وكل شيء قابل المقايضة والمساومة، حسب مقتضيات المصالح والعلاقات الدولية.

يجادل بعض الساسة الأتراك بأن الاتفاق هو بمثابة موافقة مبدئية وليست نهائية، وأن الأمر يتوقّف على مدى جدّية الاتحاد الأوروبي في إعادة مفاوضات الانضمام، وتسريعها، إلى جانب وقف السويد دعم المنظّمات التي تصنّفها تركيا إرهابية، والمقصود حزب العمال الكردستاني (التركي)، وتجديد اتفاقية الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي، التي دخلت حيز التنفيذ في الأول من يناير/ كانون الثاني 1996، إضافة إلى السماح للأتراك بالسفر إلى دول الاتحاد الأوروبي من دون تأشيرة. غير أن مسألة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ليست سهلة، وتتطلب إجراءات عديدة، إذ إن مفاوضات انضمامها بدأت رسمياً عام 2005، ونوقش 15 فصلاً من الفصول ال35 المطلوب إنجازها في مسيرة انضمام أي دولة إلى الاتحاد الأوروبي، وفق ما نصّت عليه معاهدة ماستريخت عام 1992، وأنشئ على أثرها الاتحاد الأوروبي رسمياً، ثم أقرّ في قمّة كوبنهاغن عام 1993، الشروط والإجراءات التي يجب أن تستوفيها الدول الراغبة بالانضمام إليه.

تعود جذور حلم تركيا الأوروبي إلى نزعة أيديولوجية لدى النخب التي حكمت تركيا بعد حروب الاستقلال وتأسيس الجمهورية عام 1923، تصوّرت بلادهم جزءاً من أوروبا، وتضرب تلك النزعة جذورها في ميراث الأتاتوركية التي صعدت بعد اندثار الإمبراطورية العثمانية، حيث رأت نخب حركة “تركيا الفتاة” أن التاريخ عرف انتقالاً من الشرق إلى الغرب، وفق ما اعتقده بعض مفكّري الغرب، الذين اعتبروا أن أوروبا باتت تمثّل نهاية التاريخ. وعلى المنوال نفسه، تصوّر قادة تركيا الفتاة أن بإمكانهم اختراع هوية غربية لبلادهم، كي تركن بدورها في نهاية التاريخ، على الرغم من أن قدر تركيا الجغرافي والثقافي، وموقعها الجيوسياسي، هو التوزّع بين قسمين، مثل مدينة إسطنبول، آسيوي هو الأكبر، وأوروبي هو الأصغر، الأمر الذي جعلها تعيش ازدواجية، ليست جغرافية فقط، بل ازدواجية في الهوية والتطلعات بين أوروبية محدثة، وآسيوية وإسلامية متأصلة.

خلال سعيها المديد إلى الانضمام إلى النادي الأوروبي، بذلت النخب السياسية التركية الحاكمة محاولات دخول “المجموعة الاقتصادية الأوروبية” أو “السوق الأوروبية المشتركة” في 1957 بمقتضى اتفاقية روما، حيث تقدّمت تركيا بطلب الانضمام إليها في عام 1959، لكن ذلك لم يحصل، وجرى بعده توقيع اتفاقية شراكة بين تركيا والسوق الأوروبية المشتركة في 12 سبتمبر/ أيلول عام 1963 أساسا للتفاوض بينهما لإتمام العضوية الكاملة لتركيا. وبعد جولات عديدة من المفاوضات، وموجات من المدّ والجزر بين الطرفين، قدّمت تركيا طلب انضمام بعضوية كاملة في 14 أبريل/ نيسان عام 1987.

بعد تشكيل الاتحاد الأوروبي، وقّعت تركيا اتفاقية اتحاد جمركي معه في 31 ديسمبر/ كانون الأول عام 1995، ثم تمّ قبول ترشيح تركيا الرسمي لعضوية الاتحاد في 12 ديسمبر/ كانون الأول عام 1999، واستجر ذلك جولات تفاوض شاقّة ومديدة، أدّت إلى إعلان المفوضية الأوروبية فتح فصول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في 30 أغسطس/ آب 2005. وقد بلغ عدد فصول التفاوض التي فتحت بين تركيا والاتحاد 15 فصلاً، تضمنّت قانون الشركات والتنقل الحر لرؤوس الأموال، وقانون الملكية الفكرية، وسياسة الإدارة والصناعة والشبكات عبر أوروبا، ومجتمع المعلومات والإعلام والأمن الغذائي والصحة الحيوانية والنباتية، وفرض الضرائب والإحصائيات والعلوم والأبحاث والبيئة، وحماية المستهلك والصحة، والتحكم المالي والعلوم، وطاولت الأبحاث والسياسات الاقتصادية والنقدية. ثم أوقف المجلس الأوروبي في ديسمبر/ كانون الأول 2006 فتح ثمانية فصول أمام المفاوضات، مُرجعاً الأسباب وقتها إلى أن تركيا لم تف بشكل تام بالتزاماتها النابعة من البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية أنقرة، المتعلقة بموقف تركيا تجاه قبرص الجنوبية اليونانية.

من الصعب التعويل على الدعم السويدي لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، بالنظر إلى المعارضات، الفرنسية واليونانية والقبرصية، لها، وإلى أن بعض الساسة الأوروبيين يعتبرون الاتحاد ناديا مسيحيا، ولا يمكنهم تقبل انضمام دولة بحجم تركيا إليه، لأسبابٍ تتعلق بأنها دولة إسلامية كبيرة بتعدادها السكاني، وبتاريخها العريق وريثة الإمبراطورية العثمانية، التي ما زالت أوروبا تتذكّر جيوشها وفتوحاتها، وبالتالي، لن تُفتح أبواب الاتحاد الأوروبي ليدخل أحفاد العثمانيين إليه، وهو أمر يمكن ألا يحصل قبل العام نهاية الألفية الثالثة، حسبما صرح رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ديفيد كاميرون.

يشي واقع الحال أن حلم تركيا الأوربي سيبقى بعيد المنال، حتى لو وافقت تركيا بشكل نهائي على انضمام السويد إلى حلف الناتو، كونه يطرح إشكاليات ذات طبيعة خاصة، تتعلق بشكل أساسي بالهويتين، الدينية والثقافية، وبالتالي، الطريق أمام انضمامها طويلة وشاقة، حتى وإن تمكّنت تركيا من تلبية كل متطلبات “معايير كوبنهاغن” التي يطلبها الأوروبيون.

مقالات ذات صلة